استخدام سلاح التفرقة القبلية في الصراعات المسلحة هو تكتيك قديم، ويُستخدم غالبًا عندما يعجز أحد الأطراف المتنازعة عن تحقيق أي انتصارات عسكرية حاسمة. في حالة الحرب الشاملة الحالية بين قوات الدعم السريع ومليشيات الجيش السوداني وحلفائه من الفلول، يبدو أن اللجوء إلى هذا التكتيك يعبر عن المأزق الانهزامي الحقيقي الذي يعيشه البرهان ومليشياته المختلفة وحلفاؤه من كتائب البراء وحركات الارتزاق المسلحة وقوات كيكل ذات التكوين القبلي ومرتزقة التقراي كحليف خارجي والدعم المصري الغير محدود، مما يؤكد حقيقة الهزائم الكبيرة والمتكررة التي لحقت بالجيش خلال عشرين شهرًا من الحرب، جرب فيها البرهان جميع الوصفات والمقترحات وكلها فشلت.
إن دلالات محاولة استخدام سلاح التفرقة القبلية يؤكد على الآتي:
1. الاعتراف بالفشل العسكري:
• اعتماد هذا المخطط يُظهر أن مليشيات البرهان وفلول النظام السابق (الكيزان) تعجز عن تحقيق تفوق ميداني حاسم ضد قوات الدعم السريع، مما يدفعها للجوء إلى استراتيجيات غير عسكرية لزعزعة استقرار الخصم.
2. محاولة ضرب الوحدة الداخلية:
• رغم تعدد المكونات القبلية والإثنية داخل قوات الدعم السريع وقومية تكوينها التي يعلمها القاصي والداني، حتى أنها أضحت قومية أكثر من الجيش نفسه ذو (المائة عام )من تكوينه، لقد عمد أبواق الفلول إلى وصم قوات الدعم السريع بالجهوية تارة والمناطقية تارة أخرى. إلا إنها رغم تلك الافتراءات ظلت تُظهر مستوى عاليًا من الانسجام فيما بينها، خصوصًا بعد دعوة السيد القائد إلى التجنيد الاختياري لقوات الدعم السريع من مختلف أنحاء البلاد وذلك وفقا للأسس القومية والمصير المشترك. إن هذا الانسجام يمثل نقطة قوة كبيرة للدعم السريع، وهو ما تسعى الأطراف الأخرى لكسره خصوصًا بعد فشل أي محاولات لجمع المقاتلين والمستنفرين وفتح المعسكرات والتجنيد القسري والإغراء بالمال واستخدام المنابر الدينية والسعي إلى قبلنة الصراع، لقد حاول الفلول أقصى ما يملكون ورموا بكل ما في جعبتهم من أسلحة.
3. استهداف القاعدة الاجتماعية للدعم السريع:
• التفرقة القبلية تهدف أيضًا إلى زعزعة الثقة بين القبائل الداعمة للدعم السريع، مما يضعف الحاضنة الاجتماعية للقوة ويقلل من قدرتها على تجنيد المقاتلين أو تلقي الدعم الشعبي.
4. تكتيك نفسي وسياسي:
• إثارة النعرات القبلية يُستخدم كحرب نفسية لإضعاف الروح المعنوية، ولإظهار الدعم السريع كقوة غير متماسكة وقابلة للانهيار من الداخل.
فشل المخطط وأسباب التماسك:
1. الروابط الاجتماعية المتينة:
• الدعم السريع يعتمد على مكونات اجتماعية متقاربة من حيث الثقافة والتاريخ، مما يعزز وحدتها في مواجهة محاولات التفريق.
• الروابط التي تجمع هذه المجتمعات تمتد لتحالفات تاريخية عميقة الجذور، تتجاوز حدود الصراع الحالي.
2. قيادة مركزية قوية:
• القيادة داخل الدعم السريع، رغم تحدياتها، أثبتت قدرتها على توحيد هذه المكونات تحت مظلة هدف مشترك، مما يجعل أي محاولات للتفرقة أكثر صعوبة.
3. الخبرة في مواجهة مثل هذه الأساليب:
• الدعم السريع كقوة نشأت في دارفور لديها خبرة طويلة في التعامل مع محاولات استغلال القبائل لصالح الصراع، سواء من قبل الحكومة السابقة أو القوى الخارجية.
4. انكشاف المخطط:
• وعي المكونات المجتمعية بهذه المحاولات يجعلها أقل تأثيرًا، خاصة إذا كانت ترى أن الهدف الأساسي هو إضعافها لمصلحة خصم مشترك.
ما وراء التفرقة القبلية:
• استخدام هذا السلاح يعكس أزمة الشرعية التي تواجه مليشيات البرهان وحلفائه، حيث يبدو أنهم عاجزون عن بناء قوة موحدة أو كسب تأييد شعبي حقيقي.
• كما أن اللجوء للتفرقة يُظهر أن المعركة لم تعد فقط عسكرية، بل أصبحت معركة لكسب النفوذ الاجتماعي والسياسي، وهو ما يصعب تحقيقه دون قاعدة اجتماعية متماسكة.
إن محاولة استغلال الانقسامات القبلية لضرب قوات الدعم السريع تكشف عن يأس الفلول كما ذكرنا من تحقيق حسم عسكري، كما تعكس عدم فهم عميق للروابط الاجتماعية التي تجمع مكونات الدعم السريع. ورغم ذلك، يبقى خطر هذا التكتيك قائمًا، خاصة إذا استُخدم أدوات المونتاج والتحرير والتزييف العميق وأدوات الذكاء الاصطناعي او استغلال بعض ظروف المحلية. إن التصدي لهذا المخطط يتطلب يقظة من قيادة الدعم السريع، مع تعزيز الوحدة الداخلية وزيادة وعي المكونات الاجتماعية بالمخاطر المحيطة.