رأي

عمار نجم الدين يكتب.. إعلان حكومة جديدة خارج الخرطوم: نهاية حقبة وبداية واقع مختلف

ظل السودان لعقود يُدار من مركز يفرض سلطته بالقوة، بينما تعيش الأطراف في تهميش اقتصادي وسياسي وثقافي ممنهج. كان هذا التوازن المختل ممكنًا طالما امتلك المركز أدوات القمع والسيطرة، لكنه لم يكن مستدامًا. واليوم، مع اقتراب نهاية فبراير 2025، يقترب السودان من لحظة فاصلة: إعلان حكومة جديدة خارج سيطرة الخرطوم. هذه الخطوة ليست مجرد حدث سياسي، بل إعادة تعريف للدولة السودانية نفسها، في سياق لم يعد يسمح بالعودة إلى ما كان عليه الحال قبل 15 أبريل 2024.

عبد الله حمدوك، الذي كان يمتلك فرصة نادرة لإعادة تشكيل المشهد، لم يكن رجل المواجهة. حين تولى السلطة بعد سقوط البشير، كان بإمكانه تشكيل حكومة وطنية تضم كل ألوان الطيف السوداني، لكنه بدلاً من ذلك اختار الخضوع  لقوى مع قوى المركز فكان كلما أراد الخروج من هيمنتهم جرّوه الى دائرتهم، متجاهلًا أن الهامش لم يعد مستعدًا للانتظار أكثر. لم يدرك أن السلطة تُنتزع ولا تُستجدى، وأن بناء السودان مساواة  يتطلب كسر المعادلات القديمة لا محاولة إصلاحها. فكانت النتيجة أن تجاوزته الأحداث، كما تجاوزت كل من ظن أن بإمكانه إدارة البلاد بذات الأدوات التي صنعت أزماتها.

إعلان الحكومة الجديدة المتوقع في نهاية فبراير 2025 ليس مجرد فعل سياسي، بل هو إعلان عن واقع جديد فرض نفسه بقوة الحقائق على الأرض. فالدولة المركزية التي مارست التهميش لعقود لم تكتفِ بحرمان الأطراف من التنمية، بل لجأت في بعض الأحيان إلى الإبادة الجماعية كوسيلة لإخضاعها. واليوم، بعد سنوات من المقاومة والتجاهل، قرر البعض  أن يأخذ مصيره بيده، دون انتظار اعتراف الخرطوم أو المجتمع الدولي.

الذين ظلوا يراهنون على قدرة المركز على استعادة سيطرته يتجاهلون حقيقة بسيطة: لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لقد خرج ملايين السودانيين من دائرة النظام الصحي والتعليمي والاقتصادي، وأصبحوا فعليًا “بدون دولة”، تمامًا كما هو الحال في أزمة “البدون” في بعض دول الخليج. هؤلاء لم يعودوا مستعدين لقبول دور المتفرج، بل أصبحوا يبحثون عن صيغة جديدة للحكم، تمنحهم وجودًا فعليًا في الدولة، لا مجرد تابعين لسلطة لم تقدم لهم سوى القمع والتهميش.

ما بعد فبراير 2025، لن يكون السودان كما كان. حتى إن لم يُعلن رسميًا عن تفكك الدولة، فإن واقعًا جديدًا قد بدأ بالتشكل، حيث لم تعد الخرطوم تتحكم في كل شيء. فالسؤال اليوم لم يعد “من يحكم السودان؟” بل “ما هو السودان؟ وكيف سيُحكم؟”. لقد وصلت البلاد إلى نقطة اللاعودة، والتغيير لم يعد احتمالًا، بل أصبح واقعًا قيد التحقق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى