بقلم : بتول المسلمي
متى بدأت الصحافة ؟
الصحافة كعمل حر و احترافي ، بدأت بالتدوين ، تدوين الخبر ثم تدوين و مناقشة تداعياته، ثم تناقله على نطاق أوسع، لذلك يمكن القول إن الصحافة مهنة قديمة جدًا قدم التاريخ ، ظهرت في برديات الفراعنة و مخطوطات الإغريق، والنقش على الحجارة في الحضارات القديمة .
والصحافة بشكلها الحالي بدأت بعد اختراع آلة الطباعة، في القرن الخامس عشر، ونشطت في أثناء الثورة الصناعية في أوروبا ، أثَّرت في صناعة أحداث مهمة وتأثرت بها
، وطبعاً واجهت حروباً عظيمة مع الحكومات من جهة ورجال الأعمال من جهة أخرى .
فالسياسة والاقتصاد كانت المواد الأساسية التي تشكل العمل الصحافي، لذلك صارعت الصحافة هذا التحالف القوي بين الحكومات والمؤسسات الرأسمالية، أسهمت في كشف فسادها، وأقحمت نفسها في دهاليز منطِقها وفسرت الغامض من تَمَظْهُرَاتِها، وكشفت العلائق المعقدة فيما بينها .
حُوربَت بقوة القوانين المُكبِلة، وبالضرائب الباهظة، وبإخراس صوتها ، لكنها صمدت ؛ ورغم أنها لازالت تعاني من ألاعيب الحكومات والمؤسسات الرأسمالية ، إلا أنها وبنفس قوة القوانين ضَمنت لنفسها أجواء أرحب في مناخات السياسة و الاقتصاد المُتَقلِبة، وأرسَت أساسًا راسخًا لقيمها و أخلاقياتها ، فأسهمت في صناعة الديموقراطية، وإدارة الحوار و التعبير الحر ، و الترويج لأدواته، لذلك لم يكن تسميتها بالسلطة الرابعة جزافاً .
و قد طورت الصحافة من نفسها، ولم تكتفي بالشكل التقليدي لكتابة المقال الخبري ، وإنما صنعت أشكالًا أقوى وأكثر تخصصية ، مثل التحقيقات ، و التقارير ، الحوار ، و اللقاءات الصحفية ، و غيرها من أشكال صناعة الصحافة .
أحداث عصيبة مرت بها الصحافة و تأثرت بها _ آخرها كان فيروس كورونا _ على إثْرها يتنبأُ البعض بنهاية الصحافة بشكلها التقليدي ، بسيطرة وسائل الميديا على المشهد الإعلامي ، لكن ما يقتل الصحافة حقًا هو تحولها الى سلعة بالكامل، وتسابق الصحف على الربح والتعامل معها كوسيلة تجارية، فالصحافة الصفراء مثلًا تلقى رواجًا كبيرًا في أوساط المتلقين والصحفيين على سواء، فتجاهل المسوؤلية المجتمعية الملقاة على عاتق الصحفيين، والتعامل بعدم مسؤولية مع الكلمة المكتوبة، هو ما يضعف الصحافة .
لكن يمكننا القول إن الصحافة عمل فطري ، يقوم به كل إنسان يهتم بنقل الأخبار التي تؤثر في حياته بشكل شخصي، فجلسات النميمة مثلًا ، يمكن اعتبارها ممارسة للصحافة إذا وضعت في إطار أخلاقي .
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح كل مستخدم صحفي، يكتب خبرًا ، يصبح مُتداولاً بشكل واسع بين المستخدمين ، حتى تصبح مادة الخبر نفسها ( تريند ) ، و يتداول أخبارًا هو يسهم في صناعتها و تصنيفها كأخبار مهمة أو غير مهمة .
لذلك لن تموت الصحافة، قد تغير جلدها، قد تطور نفسها، قد تضعف أحيانًا و تقوى أحيانًا أخرى ، لكنها لن تموت .!