
تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل،تم تأسيسه في العام 2003، لمناهضة سياسات وقوانين حكومة الانقاذ، التي واصلت في تدمير المشروع وتفكيكه، هذا التحالف يمثل امتداد لنضال حركة المزارعين ويجد الدعم من القوي السياسية المعارضة في السودان.
التقيت ببعض اعضائه ودارت بيننا حوارات تعلمت منها، وعرفت الكثير عن المشروع فئاته واشكلالاتها، بصفتي عامل زراعي،انتمي لمجتمعات العمال الزرعيين سكان الكنابي ،وباحث عن سبل انصافهم. منهم الأستاذ حسبو محمد ابراهيم ، و الدكتور محمد يوسف احمد المصطفي ، فلهما مني عظيم الشكر الامتنان
القرارات التي صدر في مؤتمر (معيجنة) لتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل في (يوم الارض)، 21 أكتوبر 2017، تعتبر تاريخية بكل المقاييس، خصوصا تلك التي تتعلق بالعمال الزراعيبن مجتمعات (سكان الكنابي)، وبدون شك هي بداية لتغيير النهج القديم، والذي كانت تصوراته، غير شاملة ودائما ما تتجاوز، اكبر (الفئات) التي تعمل، داخل علاقات العمل بالمشروع وهي مجتمعات العمال الزراعيين والتي تلعب الدور الاساسي في العملية الانتاجية.
ولكن قبل مناقشة القرارين ،لابد من ،معرفة طبيعة النشاط الزراعي بالمشروع ، وعلاقات الانتاج بين اطراف العملية الإنتاجية وتطورها، وتعقيدات العلائق بين الفئات المؤسسة المنتظمة، كفئات المزارعين وعمال مؤسسات المشروع، وبين العمال الزراعيين كمجموعات وفئات غير منتظمة في تلك المؤسسة، ومدي تأثيرهذه الوضعية، في عملية تنفيذ بعض القرارات كتنظيم وإنصاف العمال الزراعيين سكان الكنابي بوصفهم قوى نوعية مهمشة كما وصفها القرار.
القرارات التي وردت في مؤتمر تحالف المزارعين هي :
- ستعادة كيان اتحاد مزارعي الجزيرة و المناقل والشروع الفوري في تنفيذ هذا القرار بموجب الحيثيات المصاحبة له.
- صياغة علاقات إنتاج جديدة تراعي مصالح المزارعين و العمال الزراعيين و العاملين بالمشروع .
- إعادة فتح ملف مؤسسة مزارعي الجزيرة و المناقل التعاونية المحدودة (قوز كبرو) امام القضاء.
- رفض رسوم المياه الجديدة و الاكتفاء فقط برسوم الموسم الماضي.
- مشروع قرار بإنشاء صندوق التمويل الزراعي التعاوني للخروج من مصيدة تمويل البنوك التجارية المستهدفة لنزع الارض.
- مشروع قرار الاصلاح المؤسسي في مشروع الجزيرة (خارطة طريق) للمشروع الذي يريده المزارعين.
- مشروع قرار تنظيم و إنصاف العمال الزراعيين (سكان الكنابي) بوصفهم قوى نوعية مهملة و مهمشة و مظلومة .
- التوقيع علي وثيقة الارض .
سأركز هنا في مناقشة القرارين المتعلقين ،بصياغة علاقات انتاج جديدة بين فئات المشروع ، وتنظيم عمال الكنابي
القرار الاول :-
قرار صياغة علاقات انتاج جديدة، تراعي مصالح المزارعين والعمال الزراعيين، والعاملين بالمشروع.
معلوم إن مشروع الجزيرة انشأته الإدارة الاستعمارية البريطانية 1925م، وفقا لمصلحتها، ليوفر خام القطن لمصانعها، فهو لم ينشأ وفق رؤية وطنية سودانية، والنشاط الزراعي فيه نشاط أسري، حيث يشارك جميع افراد الاسرة في العمل، لذلك الفئوية هنا ليست فردية، بل اقرب الي الجماعية، و يمكن وصفها فئوية مجتمعات، ويتضح ذلك اذا نظرنا للواقع فنجده، مقسم لمجتمعات كبيرة للمزارعين واخري للعمال المزراعين، ففي البدء تم تقسيم أراضي المشروع علي مجتمعات المنطقة (المجتمعات المتواجدة من عرب الجزيرة) وقلة من مجتمعات أخرى متواجدة لحظة التقسيم، تم تمليكهم الارض الزراعية ملكية منفعة، وبذلك اصبحوا هم فئة المزارعين، وعندما ظهر النقص الحاد للعمالة في المشروع تم تشجيع وإستقدام عمالة من مجموعات امتداد الحزام السوداني ومجموعات من اقاليم غرب السودان كمجموعات الهوسا والفولان ، كإحتياطي عمالة (الطلب) بالمشروع وتم تسكينهم بالقرب من مجتمعات المزارعين، ومجموعات البرقو والتامة والمراريت والارنقا والزغاوة والفور وغيرهم من المجموعات، والتي استمرت هجراتها فيما بعد لتكون المجموعة الأكبر من العمال الزراعيين سكان الكنابي، وهؤلاء إضافة الي تواجدهم الفئوي، تتعقد وضعيتهم السكنية والخدمية والحقوقية.
فهذا القرار يتحدث عن ثلاثة فئات، اثنان منهما فئات مضبوطة ومنتظمة في مؤسسات وهما المزارعون وهم رقم مضبوط ومسجل معروف العدد135 ألف مزارع. وعمال المشروع ايضاً فئة منتظمة في مؤسسات تتبع لإدارات المشروع المختلفة اذا كانوا موظفين في إدارات المشروع أو المؤسسات التابعة لها (البحوث وادارة الحفريات) أو في المكاتب والتفاتيش.
اما الفئة الثالثة هي مجتمعات العمال الزراعيين وهي غير منتظمة بشكل مؤسسي ولا تظهر في العلاقات الإدارية والقانونية التي تكون بين بين المزارع وإدارة المشروع والحكومة، وهي فئه غير معروفة العدد كفئات فردية، ولتتضح هذه النقطة، لابد من توضيح علاقات العمل التي يتم بها تحديد الفرد او المجموعة كعمال زراعيين.
فنجد إن ملكية الأرض (ملكية منفعة) هي لفئة المزارعين، وأن العمال الزراعيين يدخلون في علاقات عمل مع المزارعون بالاتي :
- العمل المأجور (القوال واليومية)، فيه يقوم العامل بإنجاز، العملية الزراعية، مثل (الحش)، واللقيط وغيره بأجرمعلوم.
- الشراكة وفيها يقوم العامل الزراعي بكل العمليات الفلاحية، من زراعة ونظافة حشائش، وحصاد ومن ثم يقوم بقسمة المحصود بالنصف أو الثلث مع المزارع مالك الحواشة مع تقاسم تكاليف حراثة الارض وضريبة المياه.
- الإيجار(الدوقنتي)، وفيه يقوم العامل الزراعي بتأجير الأرض الزراعية من المزارع لموسم واحد، وله كامل محصود هذا الموسم.
صياغة علاقات إنتاج جديدة، تراعي مجموع مصالح المزراعين وعمال مؤسسات المشروع والعمال الزراعيبن، هي في تقديري ترتبط بمشروع سياسي وتنموي جديد بديل للنظام الحالي وسياساته المدمرة .
فاذا كانت صياغة علاقات إنتاج تتعلق برفع نسبة المزارعين من صافي الارباح، أو نسبتهم في الإدارة، أو شراكتهم في العمليات، التسويقية للمحاصيل، أو تغيير صيغ التمويل وغيرها من السياسات، فهي ممكنة في حالة تحقيق واقع سياسي جديد ينصف مجموعة المزارعين، لكنها لن تدخل العمال الزراعيبن في علاقة انتاج عادلة، طالما هم عمال، لا يملكون الارض الزراعية وغير منتظمين بصورة رسمية ولا يوجد الربط الإداري والقانوني بينهم وإدارات المشروع، لان ربط المزارعين يتم بملكيتهم للأرض وهذا لا يتوفر للعمال الزراعيين، فعدم ملكية العمال للارض الزراعية، وغياب الشكل المنتظم إداريا وقانونيا، هو الذي يمنعهم من أن يكونوا شركاء في علاقات انتاج عادلة.
ففي أرض الواقع تنتهي علاقة العمال الزراعيين عند المزارع ولا تتعداه، وهذا ما جعل العمال الزراعيين لا يآتيهم أي عائد من أرباح هم اساس عمليتها الإنتاجية، كما ان ادارات المشروع لا تعتبر نفسها لديها واجب علي العامل الزراعي، حتي أبسط الاشياء، مثل الارشاد الزراعي، والتوعية باثار المبيدات التي يستخدمها العامل الزراعي .
واجبنا هو البحث عن طرق جديدة لإنصاف العمال الزراعيين،وان يتم ذلك بالتفكير والعمل استراتيجيا في الاطار الكلي عند التخطيط للنهضة الزراعية بكل السودان
القرار الثاني : –
قرار مشروع، تنظيم وإنصاف العمال الزراعيين (سكان الكنابي) بوصفهم قوي نوعية مهملة ومهمشة ومظلومة .
عنوان القرار وحده يلخص وضعية هؤلاء العمال الزراعيين
فكما ذكرت، فان عمال الكنابي يمثلون الفئة العمالية الاكبر ، وفقا لاشكال العمل المذكورة آنفا ، من
(العمل مأجورالايجار – الشراكة)، مع العلم ان هنالك نسبة اقل لعمال زراعيون من القري، ومن مجتمعات المزاعين نفسها، فعمال الكنابي إضافة إلى علاقات الإنتاج غير العادلة التي يواجهونها، وغياب الشكل المنتظم والربط الإداري والقانوني بإدارات المشروع، فانهم يواجهون اشكال أخرى من الظلم لازمتهم طوال تاريخ تواجدهم الذي تجاوز نصف قرن، لآحدث كنابيهم. وتتمثل القضايا الاخري في الآتي :
أ- قضية السكن بالكمبو
الكنابي، هي أماكن سكن العمال الزراعيين، لكنها غير صالحة للسكن المستقر القابل للإمداد بالخدمات،
لمساحاتها الضيقة جدا ،وتتواجدها علي أطراف قنوات الري (الترع والكنارات)، و حول تجمعات ومصارف المياه (اللقد والبراقين)، وعلي أطراف القري، فالكنابي بلا مدارس او مراكز صحية، وبلا شبكة مياه شرب، وفقا لهذا الواقع تكون قضية السكن والخدمات قضية رئيسة، في عملية رفع الظلم عن العمال الزراعيين، فكثير من الكنابي بهذه الوضعية اكثر من نصف قرن، فعدد الكنابي بالمشروع يفوق ال 1400 كمبو.
ب – قضية حق المواطنة المنتقص
تتعرض بعض مجموعات مجتمعات عمال الكنابي، الي خطاب تغريب، بغرض إقصاؤهم وحرمانهم من حقوقهم، وقمعهم بدمغهم بالاجنبية عند بروز اي خطاب حقوقي بينهم، وهذا المفهوم المناقض لمفهوم المواطنة، يحتاج الي تصدي، وتغيير لانه خطاب عنصري لا يتسق مع دولة المواطنة، فمن حق هذه المجتمعات، أن تسكن سكن لائق، ممدود بالخدمات، ومن حقها أن تطالب الدولة بكل حقوقها، بما فيها امتلاك وسيلة انتاج، وفق مفهوم المواطنة الكاملة.
ج – الاهمال التاريخي للحكومات التي تعاقبت علي حكم السودان، تبعه خروج لمجتمعات العمال الزراعيين وقضاياهم من العقل السياسي للأحزاب السوانية، مما وضعهم هذا الاهمال خارج دائرة المشاركة السياسية.
فعلاقات الانتاج، والسكن والخدمات، وحق المواطنة هي القضايا التي يحتاج العمال الزراعيين فيها إلى إنصاف.
اما قضية تنظيم العمال الزراعيبن بالكنابي، تحتاج إلى الكثير، لأنهم اساسا يعملون كقطاع غير منتظم،
لذلك اذا، تقرر تنظيمهم، في جسم فئوي كاتحاد العمال الزراعيين مثلا. فهو يحتاج لشكل جديد ، غير شكل تنظيم المزارعين، بامكانه ان يبدأ مناطقيا، أو أي شكل أخر يناسب وضعية القطاع غير المنتظم.
أقترح أن تقوم قوي التغيير(الاحزاب المعارضة بتجمعاتها المختلفة)، اضافة إلى مبادرة المجتمع المدني وتحالف المزارعين ، بتأسيس جسم للعمال الزراعيين، معني بتقديم أوراق عمل ومشروع يتضمن برامج إنصاف العمال الزراعيين وقضاياهم
وفي الختام
هنالك مبادرات لمجتمعات العمال الزراعيين، للمطالبة بالحقوق والتنمية، تعمل وفق طبيعة أهدافها،
لكن ذلك لا يكفي، فلابد من مشاركة واضحة للجميع فهي قضية وطنية وإنسانية ،تحتاج جهود جميع المؤمنين بعدالتها.
ولابد من تحية تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، علي هذه القرارات، فالافق الذي يضمن حقوق العمال الزراعيين هو المحفذ لانخراطهم، في مناهضة سياسات تدمير المشروع، بل المشاركة في رسم السياسات المستقلية، والمشاركة مثلا في تفعيل قرار رفض دفع الزيادة في رسوم الضريبة بتنسيق كامل مع المزارعين
فبامكان هذا التحول ان يكون بداية، لعملية تغيير، في إتجاه بناء قوي المنتجين بالقطاع الزراعي في البلاد.
فالسودان بلد نهضته في الزراعة، والاهتمام بها، ودخولها في قلب السياسات التنموية، يعني نهضته ، وبامكان هذه الخطوة أن تحدث تحرك في بقية المشاريع المروية الأخرى التي تتشابه اشكالات فئاتها، كالرهد والسوكي وحلفا الجديدة، وبقية مشاريع القطاع المطري التقليدي غير المحدث.