د/ خالد البلولة
مدخل تاسيسى:
حكايات الأغنيات أو مناسباتها من الأشياء الأثيرة إلى نفسي، لذلك أبحث باستمرار حكاية الأغنية أو مناسبتها، ومعظم أغنيات الحقيبة استندت على قصة أو حكاية واقعية .
تعد أغنية (سيده وجمالا فريد) من الأغنيات التي حُظيت بشهرة واسعة، وأثارت جدلًا بالمقطع الذي يقول فيه الشاعر، (سيدة وجمالها فريد، خلقوها زي ماتريد) وفهم البعض أنه يقصد كما تشاء، وهذا قول مردود لرجل شُهد له بدراسة وتعلم القرآن في الخلاوي، ويروي أنه يقصد (ماتريد) بفتح التاء وسكون الراء (وليس بكسرها) وهو اسم لامرأة إغريقية، تعد من الحسان الجميلات وليس من ملكات الجمال، فالمسابقة بدأت فى عام 1951 حيث نظم إريك مورلي مسابقة البيكيني، كجزء من احتفالات مهرجان بريطانيا، وأطلق عليها اسم مسابقة مهرجان البيكيني. وقد حظي الحدث بشعبية لدى الصحافة، وأطلق عليه اسم “ملكة جمال العالم” من قبل وسائل الإعلام وتوجت الفائزة بمسابقة ملكة جمال العالم عام 1951 “كيرستين كيكي هاكانسون” من السويد والشواهد تؤكد أن الأغنية كُتبت فى نهاية العشرينات أو بداية الثلاثينات.
مناسبة الأغنية وتاريخها
كانت حياة الشاعر سيد عبد العزيز، بين العام (1905- 1976)، واسمه عبد المحسن عبد العزيز، ولد بمدينة أمدرمان عام 1905، كان يناديه والده بإسم (سيد) تيمنًا بأخيه، تعلَّم القراءة والكتابة وقدرًا يسيرًا من القرآن في الخلوة التي لم يلبث فيها طويلًا، وكان يغشى مجالس العلم واللغة العربية في حلقات المعهد العلمي، وكان كثير الإطلاع وحاد الذكاء.
تعددت الروايات حول مناسبة أغنية (سيدة وجمالا فريد)، ومن ضمن الروايات أن الأغنية كتبت فى فتاة أمدرمانية عمرها 8 أعوام، كان والدها صديقًا لسيد عبد العزيز، وطلب منه أن يكتب قصيدة في بنته .
وتروي سيدة، ست الاسم مناسبة الأغنية “مشيت مناسبة زواج في حلتنا مع بنات حوشنا الكبير، وعندما رقصت هاج وماج الشباب، وبسرعة قامت شكلة وزوجي في الليل ديك عرف الحاصل، وجمعنا بنات حوشنا كلنا، وحلف علينا وحجر علينا مشي الأفراح، أنا رضيت بكلامو عشان المحبة والاحترام البيناتنا، كان رجل طيب وصارم وصعب”.
وكان يحبها حبًا شديدًا، وكان فى بيتها عاملًا وطباخًا، وتأخرت سيدة في الانجاب لمدة تسع سنوات بعد زواجها، وحاول أهله تزويجه من امراة أخرى ورفض رفضًا قاطعًا وقال، “ما بعرس فوق سيدة” وانجبت له بعد ذلك محمد ونعيمة وصلاح .
وكانت سيدة امراة كريمة، وبيتها مفتوحًا لطلاب العلم، وقرأتُ تعليقًا في (سودانيز أون لاين) يؤكد ما أشار إليه الصافي، “الحاجة سيدة عليها الرحمة، كانت فائقة الطيبة والحضور والجمال، حتى وهي فوق الـ80 من العمر، تستقبلك واقفة وتودعك لخشم الحوش بي ديك الهمة الأمدرمانية المتأصلة، الشاعر سيد عبدالعزيز، ما كتب الكلام داك ساكت، دي كلها كانت حقايق”.
ويضيف الأستاذ عبد الله الصافي: “عند كتابة الأغنية كانت سيدة متزوجة وحكت أن عمرها يومذاك 15 عامًا، واسمها سيدة محمد عثمان راضي، والدها يعمل مترجم في السلك الإداري لحكومة السودان الانجليزية، خريج جامعة عين شمس، القاهرة، وتعرف في بيت المال ببنت المترجم، والدتها زهرة من أصول تركية، من أتراك كسلا الذين جاءوا إلى الخرطوم بعد ضربة الطليان لمدينة كسلا، ولها صلة بالعتبانية، وتزوجت بحسن عبد الحليم، من محس السكراب من منطقة كجبار، وتربطني به صلة قرابة من جهة جدى لأمي.
مناسبة القصيدة
كان مولد القصيدة في زواج (بت خالتها) ببيت المال، حيث بدأت الرقص وشهد الحفل الفنان كرومة والشاعر سيد عبد العزيز، وطلبة المدرسة الصناعية بأمدرمان، وكان موقعها قريبًا من مكان الحفل وانفعل بعض الطلبة بالصياح تعبيرًا عن إعجابهم برقصها مما أدى لإنهاء الحفل. في اليوم الثاني سمع الأستاذ حسن عبد الحليم، أحد الطلاب يحكي لزميله، “تخيل البت الجميلة الرقصت أمبارح زوجة المُعلم حسن عبد الحليم”، بعدها قرر زوجها منعها من حضور الحفلات ولم تحضر أي حفل بعد ذلك حتى وفاتها تقديرًا لزوجها، بالرغم من حبها للشعر والغناء ولديها قدرة على إرسال الكلام الموزون والسجع بسرعة وبديهة حاضرة.
يقول الصافي وهو متزوج بحفيدة سيدة ست الاسم: “كتب سيد عبد العزيز فيها قصيدتين منها الأغنية الذائعة الصيت”.
(سيده وجمالها فريد
خلقوها ذي ما تريد
في خديده وضعوا الريد
يامن جمالها فريد
انا قلبي ليك بريد
قمه وحزوز في وريد
دي مراية ولا خديد)
وهكذا إلى نهاية القصيدة.
أما القصيدة الثانية التي لم تجد حظها في الإنتشار:
(بت المترجم
شلخك مخضر
كان الله قدر
شوفتك تودر
السيدة قامت
مفدوعة عامت
الناس ترامت
القيامة قامت).
يؤكد الصافي، “في القصيدة الثانية يشير سيد عبد العزيز، إلى الحفلة مناسبة الأغنية، وعنها يقول، “كنت أجلس معها وأنا طالب في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، وبعد أن تزوجتُ بحفيدتها تعد من أصحاب الحظوة عندها، أقمت معهم بالبيت فترة من الزمن، ووقتها كان أولادها بحكم العمل موزعين في أنحاء السودان، صلاح فى مريدي، محمد في عباسية تقلي، ونعيمة في كسلا مع زوجها، وكنت لا أجد فرصة للجلوس معها لفترة طويلة، لأن نساء الحي يحتشدن حولها لسماع استعراضها لشعر الغناء”.