أخبارتقارير وتحقيقات

قصة طفل من جنوب السودان حارب أبناء قبيلته

الجماهير : وكالات 

 

يقع الأطفال في جنوب السودان ضحية للصراع المستعر هناك بين القبائل المتناحرة، وبلغ عدد الأطفال المنخرطين في القتال، بحسب أرقام الأمم المتحدة، أكثر من 18 ألف طفل، ما دفعها إلى تصنيف تلك الدولة الحديثة التكوين باعتبارها أكثر دول العالم تجنيدا للأطفال.

تتبعت وكالة أسوشييتد برس أحد هؤلاء الأطفال، وهو الطفل جيمس الذي أجبر على القتال في صفوف القوات الحكومية ورفع السلاح في مواجهة قبيلته التي تنتمي إلى المعارضة، في الحرب الأهلية التي أسفرت حتى الآن عن مقتل 50 ألف شخص.

جيمس اختطفته القوات الحكومية عام 2015 من قريته الصغيرة في منطقة كوش، بينما لم يكن عمره يتجاوز 14 عاما.

وبعد نحو عامين من الاختطاف، أبلغ جندي أمه نيايان كوانغ بأن طفلها توفي متأثرا بجروح أصيب بها خلال إحدى المعارك.

جنازة بلا دفن

أقامت الأم المكلومة جنازة في قريتها من دون أن تدفن ابنها، وجاءها المعزون من كل حدب وصوب، لكن شيئا ما داخلها كان يقول لها إن طفلها لم يمت.

توفي والد جيمس وهو طفل صغير، وتكفل الطفل بمهام رب الأسرة. كان مسؤولا عن أمه المقعدة وإخوته الخمسة. كان يرعى الأبقار ويصطاد الأسماك في قريته التي كانت تأتيها القوات الحكومية بحثا عن أطفال للتجنيد، وكان هو يختبئ منها حين يعلم بوصولها.

وفي إحدى المرات، ذهب جيمس كعادته لاصطياد الأسماك، لكنها كانت المرة الأخيرة إذ وقع في أيادي القوات الحكومية واعتقل بواسطة عشرات الجنود المدججين بالسلاح والذين كانوا يصيحون “سوف ننهي وجود المعارضة”.

في تلك اللحظة أدرك الطفل الصغير أنه سيضطر إلى محاربة أبناء جلدته، لأن قبيلته تنتمي إلى المعارضة.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وقع حوالي 1500 طفل ضحايا لعمليات اختطاف وهجمات على مدارسهم في عام 2016 فقط.

وكانت دولة جنوب السودان قد بذلت جهودا لوقف تجنيد الأطفال في الصراعات. ففي عام 2008 أقرت قانونا يمنع تجنيد أو تطوع أي شخص في الجيش قبل بلوغه سن الـ18 عاما.

ولكن نشوب الصراع الأخير عام 2013 غير كل شيء. عادت تلك الممارسات مرة أخرى، وصارت ممكنة مشاهدة الأطفال بالزي العسكري وهم يؤدون مهمات عسكرية.

إما القتال أو الموت

فقدت الأسرة معيلها الوحيد واضطرت شقيقة جيمس إلى ترك المدرسة لملء الفراغ الذي تركه شقيقها. أما هو، فكان خياره الوحيد إما القتال أو الموت.

لمدة ثمانية أشهر، ظل الطفل الذي لم يحمل السلاح من قبل، يتلقى تدريبات على القتال، وأجبر على خوض المعارك برفقة أطفال أصغر منه عمرا، وشاهد الكثيرين منهم يموتون.

كل مرة أطلق فيها الرصاص، كان يخشى أن يصيب أحدا من أبناء قبيلته. “لا تعرف من ستصيبه الرصاصة عندما تضغط على الزناد”، قال جيمس.

حاول الهرب من تلك الخدمة الإلزامية وفشل، وعاد إلى المعسكر مرة أخرى، وبعد حوالي ستة أشهر من المحاولة، أصيب برصاصة في ساقه اليمنى بإحدى المعارك وترك على الأرض ليواجه مصيره.

الإصرار على الحياة

لكن جيمس أصر على البقاء حيا، وظل يزحف على بطنه مواصلا طريقه نحو ربوة واضطر خلال سيره إلى المرور فوق جسد جندي يحتضر، والتخفي بورق الأشجار.

كان يشرب كل ما يجده في طريقه من مياه. حاول وقف النزيف الذي أصاب ساقه، لكنه لم يتوقف. كان يتوقع أن يموت في أية لحظة.

ظل على هذا الحال حتى اقترب منه رجلان، ظن أنهما من صفوف المعارضة وسوف يقتلانه على الفور، لكن اتضح له أنهما من كتيبته. ساعداه وأوصلاه إلى المستشفى.

بعد ذلك، نقله أفراد في منظمة الصليب الأحمر إلى العاصمة جوبا، التي تبعد مئات الأميال عن مسقط رأسه، وهناك انخرط في الدراسة، وكان يحب المناقشات التي تتم في الفصول، وأصبح أحد دعاة تعليم الفتيات.

لم يكن جيمس يمتلك وسيلة للتواصل مع أمه. وفي آذار/ مارس الماضي، تعرف عليه رجل من قريته، وأبلغ والدته بأنه لا يزال على قيد الحياة، وتم ترتيب مكالمة هاتفية بينهما.

لقاء تاريخي

سمعت الأم صوت ابنها لأول مرة منذ رحلة الصيد المشؤومة، لكنها كانت تريد أن تراه بنفسها لتتأكد من أنه فعلا حي.

لم يكن لديها ما يكفي من المال لتدبير نفقات الرحلة، لذا ظل جيمس في جوبا عدة أشهر أخرى حتى تم ترتيب اللقاء بمساعدة منظمة يونيسف وقادة محليين.

حطت الطائرة التي تقل جيمس الابن في بانتيو، حيث يقع مخيم نزحت إليه أسرته مع نحو 120 ألفا آخرين، وسط أجواء من الفرح بالعودة والحزن على ما أصابه. هناك اجتمع جيمس بأمه وأشقائه، وحضر عدد من أقاربه الذين احتفلوا بقدومه وقاموا بمسح أياديهم على وجهه الممتلئ بالدموع.

ورغم الفرح بالعودة، إلا أن جيمس قلق مما سيحمله المستقبل له ولعائلته. فالطفل الذي يمشي بمساعدة عصا صار غير قادر على ممارسة أي عمل مجهد. “مَن سيرعى العائلة؟”، يتساءل.

وكانت لدى أمه الإجابة على تساؤله. برأيها، أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي أن يكمل دراسته.

 

أسوشييتد برس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى