رأي

كتب د. خالد تارس: حميدتي و الانحياز لخطاب ديسمبر

بقلم: د. خالد تارس

تفاجأ الكيزان بظهور قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان مخاطباً جماهير الشعب السوداني عبر الفيديو مباشرةً، الظهور الذي أصاب كثيرون منهم بالإحباط والخُلعة، حيث كانت مجالس الكيزان تروج لموت حميدتى شهرين كاملين دون أن يغمض لها جفن، وكانت دعاوي موته المزعوم هدفاً تكتيكيا في سياق حملة التضليل الإعلامي وتشويش الرأي العام، فقد وظفوا لهذه الحملة كل (الخشامة) من انصرافيون و قونات ولايفاتية وخبراء استراتيجيين. فكانوا يسرفون في الإشاعة حتى علم مقدمو برامج القنوات انحدار تفكيرهم، فكانوا يزايدون في التفاهة كلما سمعوا حديثا لحميدتي عبر الصوت لا الصورة، ظناً منهم ان دعاية الموت عاملا فاعلاً في تثبيط الروح المعنوية لمقاتلي الدعم السريع.

لكن ناتج الفعل انعكس على الفاعل، حيث باتت فيالق الدعم السريع تدب دبيب النمل في الخرطوم، ويتوالى الانتصار في كل المعارك التي خاضونها. أعتقد أن ظهور حميدتى بين الاشاوس في الميدان أحدث صدمة كبيرة للافاكين والهتيفة وابواق الإسلام السياسي، فأقبلوا على بعضهم يتلاومون بحيلة الذكاء الاصطناعي في مظهرٍ جديد من استعباط المراقبين، فكانوا لا يصدقون ان يخرج حميدتى في كامل الثبات والقوة، ويكلم الناس بذات الثقة والكارزما عن نصراً عزيزاً مؤزرا، حتى أصبح خطابة الأخير برنامجاً في الحسم والتأثير على الجبهتين السياسية والعسكرية. فاحدث شرخاً عميقاً بين قيادة جيش الكيزانية والهاربين من رموز النظام البائد أدت إلى إعادة صدور أوامر قبض بحق الفارين من السجن. غريب ان يعود الفلول إلى حيلة الذكاء الاصطناعي للحد من تاثيرات كلام حميدتى على الشارع السوداني وقوى الثورة، فيطلق الجداد الإلكتروني صيحة ثانية من دعاية موته المزعوم يوم 17 أبريل، مفندين ما حدث بعملية ذكاء اصطناعي، فكأن من تحدث أمام الكاميرات هو البعاتي.! الغريب ان معظم الابواق سارت مع نعيق الذكاء الاصطناعي الجديد إلا مبارك الفاضل خرس، فقد كان الوحيد الذي ملأ الاسافير بهذه الدعاية، حيث كان يغرد على حسابة بفيس بوك مرتين في اليوم عن موت حميدتي مبرراً مزاعم الفلول بروايات مختلفة، وكان يسمى قوات الدعم السريع بالمتمردين.

أذكر حتى عندما تحدث الفريق كباشي عن ضرورة التفاوض وأعلن إستعداد القوات المسلحة اعترض مبارك ذلك الحديث واستنكر التفاوض مع من أسماهم (التمرد).. بحجة انهم دمروا الخرطوم وسرقوا بيوتها، طبعا يقصد بيوته هو. كان من الواضح لا يهم السيد مبارك كيف يحكم السودان، بقدر ما تهمة أمواله وممتلكاته، وبالتالي يكون احرص على إرث دائرة المهدي أكثر من حرصه على دولة العدالة والمساواة في السودان، وهي امتيازات تاريخية ورثها الفاضل دون أن يطقه عليها (حجر دغش).. ألم يفهم مبارك ان من أسماهم اليوم بالمتمردين والمليشيا هم ذات المقاتلين (الصفر الرقاق).. الذين استنصر بهم جده صاحب التركة المقدسة، فناصروه لله والرسول، لا لجاهٍ او سُلطة. هؤلاء المقاتلين لم يحصدوا من ثمار التضحية الوطنية والجهاد في سبيل الله إلا التهميش، لا شركات ولا عمارات ولا سبائك الذهب والفضة، التي كنزها مبارك وصار يتباهى بها بين الأمم. هو عشان ام قرون عاش طوال حياته يركب الحديد (برادو).! غريب ان يتناسى مبارك إنه ظل يمجد قائد الدعم السريع حتى وقتٍ قريب، ولا استبعد أنه كان يقول في سره الراجل الضكران الخوف الكيزان.! حدثني شخص أيام اعتصام الموز، ان مبارك الفاضل حضر إلى مباني الإدارة الهندسية لقوات الدعم السريع بشارع المك نمر، وهناك ميزانية الاعتصام، جلس على ركبتيه (القرفصاء) يعد المليارات صندوق وراء صندوق، قال أنه حضر لوحده وقبضها لوحده. وهناك بميدان الاعتصام أنزل مبارك لافتة هزيلة على حدائق القصر الجمهوري كتب عليها حزب الأمة، ولم يطرح من البرامج إلا فنانة هابطة تغني العرب الوراء.!

في الحقيقة تربطنا علاقات قديمة بمبارك الفاضل أيام حزب الأمة، حيث كنا نناديه بسيد مبارك، ووقتها كان في رأينا بلدوزر الحزب القوي ومن قياداته الافذاذ. ولكن أخيراً اكتشفناه مجرد تاجر في سوق السياسية يركض خلف المصالح ولو كلفة ذلك نهاية التاريخ، وبذات الأسلوب أظنه شق الحزب الكبير بدعوى التجديد ليشارك نظام البشير السلطة، واليوم تحركه ذات الشهوات. وقتها حزنت لانحياز عدد كبير كوادرنا الشابة إلى مبارك، فمنهم من غادره عاجلا ومنهم انتظر، على سبيل المثال الأحباب ياسر فتحي وفتحي مادبو الذين تربطني بهم علاقات طيبه وهم أكثر تأهيلاً من مبارك.

وعن حقيقة تورط نظام الكيزان في الحرب الدائرة اليوم، فقد انتاب الكثيرين شك عدم تورط النظام البائد حتى أصدر حزب المؤتمر الوطني بيانه ليؤكد للناس إنه يدير الحرب أصالة عن نفسة ونيابةً عن القوات المسلحة، فقد استنكر البيان أوامر القبض التي أصدرتها نيابة كسلا في ملاحقة الهاربين من قياداته المطلوبة للعدالة كانه حي يرزق.

ولو عدنا قليلا إلى الحديث المقتضب للقائد حميدتي الأسبوع الماضي، هو إلى حدٍ كبير يشبه خطابة الحاسم في طيبة الحساب الذي حدد لحظة انحيازه الصريح لقوى الثورة. أذكر انه أشعل حماس الثوار في كل المواكب والبيوت، وكان له مفعول السحر على الشوارع. سبحان الله اليوم يعود حميدتي إلى نفس المحطة ويقول لا مجال للتفاهم مع من أسقطتهم إرادة الشعب. وان الأوان للعسكريين أن يخرجوا من السياسية خروجاً نهائياً، حتى يتفرغوا لبناء منظومة أمنية حديثة وجيش مهني متطور يحمى المصالح الوطنية للعليا، وقيادة غير مسيسة بعيده عن الفساد والاستبداد. وتشكل قوات الدعم السريع عنصراً مهما في معادلة إصلاح المنظومة العسكرية ودعم التغيير السياسي إلى حين التوصل إلى دولة ديمقراطية تحقق العدالة وسيادة حكم القانون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى