رأي

كتب د. خالد تارس: “خروج الثعالب”

بقلم: د. خالد تارس 

تفاجأ الناس بظهور عناصر النظام البائد في كسلا عِشاءً يبكون، عناصر من الوزن الثقيل فرت من السجن لتمارس السياسة بعيداً عن الأنظار، تباكوا هناك مع من تبقوا من الفلول في محاولة أخيرة للقفز السياسي، بعد بّل المؤتمر الوطني وحظر نشاطة.

تقول المعلومات الرائجة أن مساعد المخلوع أحمد هارون وصف الحضور في قاعة (بطة) بالكوادر النوعية، يقصد المولعين بفكرة جهاد، نصر، شهادة. وهو شعار تقليدي في ايديولوجيا دولة الكيزان البائدة، يقال أن أجندة ملتقى الهاربين كانت مُغرية ومليئة بالنفاق، لدرجة أنهم تكلموا بشغفٍ عن هندسة المْشهد والعودة إلى الحكم قريبآ، وكانوا يهتفون نحن للدين فداء.!

أعتقد أن طريقة ظهور الإسلاميين في هذا التوقيت كان مثيراً للغاية، ويمثل استفزازاً صريحاً لقوى الثورة التي اجتثتهم من الأرض. مؤلم جداً ان يخرج الكيزان خروج (الثعالب).. بنفس الشعارات الكذوبة بعد أربعة سنوات من الاختفاء والاختباء والهروب.! وتظل فلسفة الإسلاميين في إختيار الشرق مكاناً لعرض بضاعتهم أمرا محيراً، فالشرق هو الأقليم الذي دمرته سياسة الإنقاذ واذاقت أهلةُ الذل والهوان من فقرٍ وجهلٍ ومرض، فالكيزان بعقولهم المريضة عملوا على تصنيف الإقليم كحواضن تاريخية للختمية والاتحاديين، وحديثاً مؤتمر البجا. ألم يفتح الله لأهل الشرق الصابرين البؤساء الفقراء التصدي لهذا (العفريت) ونفية من الوجود كما نفاه ثوار الحصاحيصا.؟

المدهش ليس في ظهور شخصيات من أمثال أحمد هارون وعوض الجاز في ثياب الواعظين، ولكن في انتقالهم دراماتيكياً من السجن إلى الحياة السياسية، دون أن يقبضوا او يطردوا او يشردوا او ينفوا من الأرض.! يقال أن أحمد هارون كشف لأول مره ان الكيزان يتحكمون في العمليات الحربية بكل تفاصيلها من تخطيط ودعم وإدارة بأموال الحركة الإسلامية ومجاهديها.!

الخطير في اجتماع كسلا انه تم بعلم حكومة الولاية ولجنة أمنها، أعتقد أن بيان حزب الأمة القومي في كسلا قد أشار إلى هذه الواقعة بوضوح وحذر من عواقبها. الأخطر من ذلك دعوة الكيزان للمواطنين بالدخول في الحرب واستنفارهم بكل جرأة، بل استعباطهم وتضليلهم بنفس الشعارات والهتافات ، وهي أحلام يرونها قريبة ونراها بعيدة، فالشعب السودانى ليس بغفار رحيم كما يتوهم الإسلاميين. فاستغفال المواطنين بعد ثلاث عقودٍ من الفساد والاستبداد والنهب لن يجدي فتيلا ولو تعلقوا بأستار البيدروم.

وتشكل لحظة هروب عناصر النظام البائد من كافة السجون ضربة موجعة للعدالة في السودان، وأن يجلس متهم الجنائية بين الضحايا متنمرا بلا محاكمة يعد انتقاص من أهلية القضاء السوداني، تقول سيرة أحمد هارون إنه رجل بلا فكر، ظل طوال حياته السياسية معجبنا بالبشير حتى فار التنور وغشاه الموج، وكان مفتوناً بحظ برج العذراء الذي اوقع قطاطي كردفان ضمن مثلث حمدي العظيم. أعتقد سيظل مكان هارون السجن او كما قال الفريق حميدتى في مقابلة تلفزيونية شهيره.

أما الشيخ الكهل عوض الجاز فقد أمضى نصف عمره يتقافز بين الحقائب الوزارية كما يتقافز العصفور على السنابل، كان مستودع الإنقاذ وصندوقها الأسود، يحكي زملائه إنه لم يجمع من الناس إلا أهل بيته، فقد عاش عنصرياً وسيموت عنصرياً.! وعلى الرغم من خروج الكنداكات والشفاته في مواكب هادرة اقتلعت نظام الإنقاذ إلا أن عقول الكيزان في ضلالها القديم، فما زالوا يهتفون فلترق كل الدماء.!

بعد اندلاع حرب 15 أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع، انحاز معظم الثوار للدعم لدعم خياراتهم في التحول المدني الديمقراطي، وبالمقابل هشم كيزان الجيش بوابات السجون لهروب قيادات من أمثال علي عثمان والجاز ونافع، هذا التصرف أدخل قيادة الجيش في ورطة حقيقة الانقلاب وإدارة الكيزان للحرب. واخيرا اجتماع الهاربين في كسلا يكشف المستور من النوايا الانتقامية ضد قوى الحرية والتغيير (القحاتة) ، وكذلك قوات الدعم السريع. وما التضييق على نشطاء الشرق الا دليلاً على فشل مسوقات كسلا لاستنفار المواطنين وحشرهم للقتال بإسم الدين، فكانوا يرددون في غباء لا دنيا قد عملنا.!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى