رأي

كتب صلاح الباشا: عن حميدتي أنا حأحكي ليكم

بقلم: صلاح الباشا
.
هل نبدأ بكلمات شاعرنا الراحل (صديق مدثر) حين كتب لكابلي وتغني بها ..
كان بالأمس لقانا عابراً
كان وهما كان رمزاً عبقريا؟
فقد ضجت الوسائط منذ مساء أمس واشتعلت كل منصات التواصل الاجتماعي وأخبار الفضائيات، ليس بمضامين خطاب قائد الدعم السريع (حميدتي)، بل بظهوره هو شخصياً على شاشات الفضائيات ووكالات الأنباء. وذلك بسبب ما ظلت تتناقله الوسائط في مُجملها، ومُنذ عدة شهور، بأن الرجل قد أُصيب إصابات مُميتة، وأُجريت له عدة عمليات جراحية بمستشفى (شرق النيل) بالخرطوم بحري، وتم دفنه بشرق الحاج يوسف. وتطوع آخرون بالتأكيد على أنهم اشتركوا في التشييع قبل خمس شهور، أي في الأيام الأولى لبداية الحرب العبثية، والتي وصفها الإعلام الإسلاموي السوداني، بأنها (معركة كرامة)، بالرغم من أنهم هم الذين انشأوا هذا الجيش الجرار من (الدعم) منذ العام (2003) في حرب دارفور، ثم أتوا بهم للخرطوم لحماية نظامهم، وإنهم أجازوا تقنين وجود (الدعم) عن طريق المجلس الوطني (برلمان الإنقاذ) في العام (2017)، ما أد إلى الاعتراف السياسي بهم.
وبرغم ذلك فان إعلام المؤتمر الوطني لا يعترف بأن قياداتهم ارتكبت تلك الأخطاء، ولايزال إعلامهم الذي ظل يسوق عضويتهم الساذجة (بالخلاء) .
كُل تلك الأخطاء القاتلة التي ظهرت آثارها الآن لا نرغب في الإسهاب فيها لأن الأمر مفهوم ومعلوم لأبناء شعبنا، ولا يتطلب كثير إضافة.
ولكن نعترف هنا كواحد من الأقلام المُستقلة المشحونة حُباً لهذا البلد ولمستقبل أبنائه، ونقول بأن إعلام وتاكتيكات قيادات الدعم السريع كانوا اكثر ذكاءً من حيث النشر الإلكتروني والوجود الفضائي في نقطة هامة، وهي مسألة وفاة قائدهم محمد حمدان دقلو. فقد كان يؤكدون على إنه علي قيد الحياة ويناقشونه من وقت لآخر، وفي ذات الوقت كانت هناك قيادات سياسية ذائعة الصيت ظلت تؤكد من وقت لآخر بأن الرجل قد شبع موتاً، للدرجة التي تحدي فيها سفير السودان بليبيا في حوار الجزيرة مباشر معه، بأن (حميدتي) مات منذ عُدة اشهر، وأنه إذا ظهر للوجود (إلا يكون “بعاتي”) حسب وصفه. فما رأي سعادته وهو برتبة فريق مهندس وقد كان مشرفا علي بناء كبري (الدباسين)، وأيضاً مشرفاً علي إنشاء المطار الدولي الجديد غرب امدرمان، فلم تقم للاثنين قائمة (لا الكبري ولا المطار)، فترقى إلى سفير من خارج إطار الدبلوماسية، كما تفعل الإنقاذ دائماً، وفي حالات عديدة سابقة.
المُهم في القول أن حكاية (السواقة بالخلاء)، والتي لا تعرف قوانين مرور حيث لا توجد طرق مسفلتة، أو إشارات ضوئية تتحكم في المرور، قد أصبحت سمة في إعلام الوسائط . إلى أن فاجأ (دقلو) الدنيا كلها بخطابه المُسجل، والذي تم بثه وفقاً لترتيبات محددة مع الفضائيات، في ذات وقت انعقاد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية، والتي يحضرها قادة الدول. حيث سبق بث الخطاب خطاب السودان الرسمي الذي ألقاه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في مبني الامم المتحدة.
وكان توقيت بث خطاب (حميدتي) بالأمس، بعد ان اقتنع الناس بأن الرجل أصبح في رحاب الله مُنذ منتصف أبريل الماضي، وكنا قد وجدنا العديد من الانتقادات في حساباتنا بالوسائط، وصلت لدرجة الاستفزاز وأحيانا (الشتائم)، لكننا لا نرمي لها بالاً، لأن رسالتنا التنويرية تجاه شعبنا تتطلب القفز فوق مطبات النقد الهادم.
وفي تقديرنا الشخصي والاستقرائي فإن بقاء (دقلو) علي قيد الحياة، سيُساعد كثيراً في احتواء هذه الحرب العبثية، والتي تعتبر سابقة في تاريخ البشرية، أن يتم حرق عاصمة دولة، ولم يسبقها غير حرق ( نيرون) امبراطور إيطاليا في التاريخ القديم بحرق عاصمته ( روما) .
فهل يتحول إعلام المؤتمر الوطني إلى إعلام وطني حقيقي وصادق، ويحاول تغيير خططه الإعلامية بتغذية أوردة صحافته وكوادره الفاعلة، وأجهزة أمنه بثقافة وطنية عالية المقام، تُساعد في إقرار السلام، وأن يعترفوا بثورة الشباب السوداني التي أذهلت البشرية كلها منذ اشتعال شرارتها الاولي في التاسع عشر من ديسمبر للعام (2018) في كل المُدن، وامتدت لست شهور فسالت دماء شبابنا جراء عنف كتائب الظل والأمن الشعبي تطبيقا لتوجيهات علي عثمان (مُنظر الحركة الاسلامية) حين كان يخاطب البرلمان ذات يوم بعبارة (Shoot to kill) والتي رددها مرتين. وقد كان نواب حزبه وقتذاك في حالة وجوم وصمت رهيب، فلم يجرؤ أحد على الاعتراض، أو فرملة الرجل الذي يهوى دائماً استخدام لغة القتل والإبادة. والنائب الوحيد الذي تحدث بكل جرأة هو السيد (علي أبرسي) في نقاط مُحددة بالبرلمان حينذاك.
وكيف ننسى فتوى الشيخ (عبدالحي يوسف) للمخلوع بإبادة ثلث الشباب المعتصمين بالقيادة، (ويؤجر الرئيس على ذلك)، أي أن الله تعالى سيكافيء المخلوع على قتل الشباب المُسالم الثائر .
وهنا نؤكد مرة أخري أن وجود (حميدتي) علي قيد الحياة، سيكون له القدح المعلى في توافر الحلول عبر منبر جدة التفاوضي، جنباً إلى جنب مع الرئيس البرهان. تماماً مثلما حدث بين دكتور (جون قرنق) و(علي عثمان) في نيفاشا الكينية.
كل الحروب تنتهي دائماً باتفاق سلام متي ما نجح الوسطاء في تذليل الصعاب، وإزالة ما احتقن في الصدور من قتل وتشريد ونهب واغتصاب، وتدمير لبنية عاصمة البلاد وتشريد اهلها بالملايين الي داخل السودان وخارجه، مع توقف كامل لدولاب العمل والاقتصاد المُنهك اصلا .
فقد كانت لنا في اتفاقية السلام في نيفاشا أسوة حسنة، حين أنهت أطول حرب أفريقية، وهي حرب الجنوب التي اندلعت منذ العام (1955) حتي العام (2005)، برغم أن نتائجها كانت فصل الجنوب.
ولابد من اختفاء عبارات فلول وكيزان وقحت وعملاء ومرتزقة وسفارات من قاموس الاحتكاك السياسي الحالي عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليحل محلها روح السلام والنظرة الوطنية الثاقبة من أجل مُستقبل هؤلاء الشباب بعد أن أدى الكبار أدوارهم في تفتيت وحدة البلاد وسرقة ثرواتها، والهروب بها إلى الخارج عبر سنوات طويلة حتي قبل انطلاقة الثورة الديسمبرية.
والله المُستعان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى