رأي

كتب عبدالرحمن الكلس: أطاح بخطاب (البرهان) .. قراءة تحليلية لخطاب قائد الدعم السريع إلى الأمم المتحدة

بقلم: (عبد الرحمن الكلس)

بصرف النظر عن الأكاذيب التي راجت بأنه قُتل والتي تولى كِبرها وروّج لها وحدد تاريخ الوفاة، السياسي الموصوف بأنه إمام الكذابين وأمير الأفاكين، مبارك الفاضل المهدي، ومن معه من أرزقية السياسة وسماسرتها، فإنّ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ظهر أمس على مقطع فيديو مصور مخاطباً الدورة (78) للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، مستبقاً خطاب قائد الجيش الذي أُتيحت له فرصة الحضور من أجل حثه على الوقف الفوري للحرب والانخراط الجدي في المفاوضات دونما شروط، وابعاد الإسلاميين عن المشهد السياسي والعودة إلى المسار المدني والديمقراطي، حسبما رشح من تسريبات.

بالعودة إلى خطاب حميدتي، فقد قدّم الرجل إحاطة شاملة كاملة حول ما جرى قبل الحرب وكيف اشتعلت ومن الذي أطلق الرصاصة الأولى، كما استعرض الأوضاع الميدانية والسياسية والإنسانية الراهنة، وقدّم تصوراً سياسياً للحل وطرح رؤيته حول كيفية وقف الحرب وأعلن استعداده لذلك.
وقال حميدتي؛ إن قواته مستعدة لإعلان وقف إطلاق نار فوري في جميع أنحاء السودان، وذلك من أجل توفير ممرات آمنة لتقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، وكذلك الشروع في مفاوضات سياسية حقيقية وجادة تفضي تحقيق سلام دائم، وتسفر عن حل سياسي شامل يؤدي بدوره إلى تشكيل حكومة مدنية تدير المرحلة المقبلة وصولاً إلى انتخابات حقيقية.
وكشف قائد الدعم السريع، أن الحرب بدأت بمحاصرة قواته في معسكراتها وأنه أجرى اتصالات فورية مع قائد القوات المسلحة والوسطاء الدوليين لمنع وقوعها، لكن لم يأبه أحد لهذه الاتصالات حيث بدأ الهجوم على قواته بعدها بقليل وشرع الطيران الحربي بقصف معسكراته بالتزامن مع الهجوم البري، الأمر الذي دفعه واضطرها إلى الدفاع عن نفسها والعمل على صد العدوان، معتبراً أن الحرب الدائرة فعل إجرامي يقوِّض السلم والأمن الدوليين، ويعيق مهام حماية حقوق الإنسان، وتقديم الإغاثة أو المساعدات الإنسانية، محذراً من تحول السودان إلى بؤرة جديدة للجماعات الإرهابية، وأن قواته أسرت عناصر داعشية بجانب قتلة موظف المعونة الأميركية “جون غرانفيل” وهم يقاتلون في صفوف الجيش السوداني.

مشيراً أن قيادة الجيش متواطئة ومتحالفة مع منسوبي حزب المعزول البشير ما سيضاعف من خطر استقطاب الجماعات الإرهابية إلى السودان.
الخطاب، لم يترك شاردة أو واردة إلاّ أحصاها، إذ تطرق كذلك إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها قواته من أجل معالجة الأوضاع الإنسانية التي خلفها النزاع، وأنها أطلق في هذا الصدد وكالة للغوث الإنساني تعمل على إيصال المساعدات للمتضررين مشدداً أن قواته تبذل جهوداً مثمرة فيما يتعلق بمعالجة الانتهاكات التي ترتكبها قلة من المتفلتين من منسوبيها حيث أنشأت لجنة لمحاربة الظواهر السالبة، مؤكداً أن السلام لن يتحقق إلاّ عبر إنهاء العنف الذي بدأته القوات المسلحة، وأشار إلى أن القتال شرد أكثر من (4) ملايين مواطن من الخرطوم فقط، بجانب آلاف المواطنين في دارفور وكردفان.
وقبل أن يلفت حميدتي إلى الرؤية السياسية التي طرحها في أغسطس الماضي، أشار إلى أن قواته ليست على عداء مع شرفاء القوات المسلحة، وإنما تدافع عن نفسها بعد أن فرض عليهم البرهان وقادة الفلول الحرب.

وهنا ينبغي لنا الإشارة إلى أن قائد الدعم السريع كان تقدم الشهر الماضي، برؤية للحل ووقف الحرب، وتضمنت وقف طويل الأمد لإطلاق النار، ثم دائم، وحكومة مدنية ديمقراطية، ونظام حكم فيدرالي، وتأسيس وبناء جيش سوداني موحد من الجيوش المتعددة الحالية.
وحمّل قائد الدعم السريع، عبد الفتاح البرهان وفلول حزب المؤتمر الوطني المحلول مسؤولية تقويض وإفشال الجهود الرامية إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي بإشعالهم الحرب في 15 أبريل ، رغم التوافق بينه وبين قائد الجيش على المبادئ التي تحكم عملية الإصلاح الأمني والعسكري وبناء الجيش الواحد بالتوقيع على ورقة الأسس والمبادئ في 15 مارس، وتحديد موعد التوقيع على الاتفاق النهائي في الأول من أبريل الذي بموجبه يخرج العسكريون من السلطة، مجدداً التزامه بالعملية السياسية المفضية إلى نقل السلطة للمدنيين وخروج العسكريين من الحكم.

إن التصدي لتحليل خطاب قائد الدعم السريع يطول ويحتاج إلى مساحة أوفر ووقت أطول، لكن علينا أن نختم بالقول إن توقيت الخطاب كان دقيقاً جداً، وأن ظهور قائد الدعم السريع مخاطباً المجتمع الدولي قبل خطاب البرهان بقليل، كان ضربة معلم في العمل السياسي تشي بأن حميدتي يمتلك طاقم سياسي بارع، حيث غطى الخطاب بل أطاح تماماً بخطاب البرهان وجعله يذوب كـ(شمار في مرقة)، حيث انشغلت الأجهزة الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي بخطاب حميدتي واستدعت المحللين السياسيين إلى التصدي لقراءته وتفكيكه، كما كذب تماماً المزاعم التي روّج لها فلول النظام السابق بمقتله.
بالنسبة لي، فإنّ لهذا الخطاب القوي الشامل، ما بعده، في كل شيء، فقد وضع الأمور نصابها ووضع مصداقية إعلام الفلول على المحك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى