بقلم: علي أحمد
وَما كُلُّ مَن يَغدو الى الحَربِ فارِسٌ
وَلا كُلُّ مَن قالَ المَديحَ فَصيح
لا أحد بعد الأمس يمكنه أن يتجرأ وينطق (الحل في البل)، فما شهدته العاصمة كان هو (البل)، وربما يذهب أبعد من ذلك ويصبح (بلًا) دائمًا و(مطر بلا براق)- كما حذر (حميدتي) من قبل.
إذ كان يوم أمس يوماً فارقاً في حرب الخرطوم، حيث شنت قوات الدعم السريع هجمات شرسة على أربعة محاور بالتزامن، وهذا يعني ببساطة وباللغة العسكرية البحتة أن القوات المهاجمة تمتلك (الجاهزية)، وما يكفي – وربما يفيض – من العدة والعديد والعتاد، كما تمتلك زمام المبادرة والسيطرة والتحكم، وإلاّ إذا كانت قوات الدعم السريع كما يصور إعلام الكيزان الذي هو إعلام الجيش المختطف، بانها تلفظ أنفاسها الأخيرة ولا تمتلك رجالاً على الأرض سوى 5% من قوتها السابقة، ولا تملك سلاحاً ولا روحاً قتالية، فكيف تعجز القوات المسلحة التي تبلغ خبرتها قرناً من الزمان عن استعادة مقراتها التي استولت عليها الدعم السريع كل هذا الوقت، وها هي مع بداية الشهر السادس من الحرب تهاجم ببسالة وبقوة نارية غير مسبوقة، في عدة جبهات: القيادة العامة، وسلاح الإشارة، وسلاح المهندسين، و بعض الجيوب المتبقية في سلاح المدرعات؟!
إذاً، فإن ذلك يعني مبدئياً أن الفلول يكذبون – وهذا معلوم للكافة- ويعني تاليًا أن الدعم السريع تسيطر سيطرة شبه كاملة على كامل العاصمة: الخرطوم، وبحري وأم درمان، لأن معارك الأمس دارت في رقعة جغرافية واسعة (القيادة العامة (وسط الخرطوم)، المدرعات جنوب الخرطوم، الإشارة – بحري، والمهندسين – أم درمان)، وبما إنها تحركت في هذا النطاق الواسع ومهاجمة مقرات الجيش حيث يتمترس ويتحصن، فإن ذلك معناه إن الطرف لآخر عاجز تماماً عن الحركة ومحاصر في مقراته، وبالتالي فلا سيطرة لمحاصر، أليس كذلك يا عسكريين “يا بتاعين الكلية”؟؟
كل ذلك مهم، لكن الأكثر أهمية هو إهانه الجيش وضربه في رمزيته ومركز قيادته، وتدمير المبني الذي يوجد فيه مكتب قائده العام، عبد الفتاح البرهان تدميراً تاماً، وحرق العديد من مباني القيادة توطئة لاقتحامها والسيطرة عليها، لاحقاً.
أمرٌ آخر مهم، كشفته هذه الحرب، هو أنه كلما طال أمد الحرب، كلما وهن الجيش وضعف على وهنه وضعفه الحالي، وكذلك فترت همته وعزيمته وتدنت الروح المعنوية لجنوده، وقد شهدت معارك الأمس فرار واستسلام أعداد كبيره من منسوبي القوات المسلحة، وذلك بسبب الهزائم المتلاحقة لقوات الجيش، الذي لم يخض معركة واحدة ضد الدعم السريع إلاّ وخسرها خسارة مبينة وكبيرة ومخجلة!
وكذلك كلما استمرت الحرب، اكتشف الشعب – وقد اكتشف فعلاً – وكذلك اكتشف أفراد الجيش المقاتلين على الأرض، إن الكذب لن يصنع انتصاراً، وأن العويل في والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي وبث الأخبار الكاذبة والدعاية الرخيصة وقلب الحقائق لن يُجدي فتيلاً، فكل تلك الألاعيب (قصيرة الحبال) ستترتب عليها ردود فعل عكسية ومضادة من قبل داعمي الجيش من (المخمومين)، فما ان يتوصلوا إلى الحقيقة، حتى يتخذوا مواقفاً عكسية تماماً، وقد بدأ بعضهم يحمل السلاح لصالح الدعم السريع انتقاماً ممن كذبوا عليه، و(ساقوه بالخلاء) أشهراً عديدة، ظل فيها يُمنّي النفس بتذوق النصر لكنه تجرّع علقما، فنكص وانقلب إلى الاتجاه المعاكس.
إذًا الحل في التفاوض والسلم وليس في (البل) كما يقول المسيلميون، فالحل ب(البل) قد ثبت وبالتجربة العملية ان له شرطين رئيسيين كي يتحقق على أرض الواقع، هما (الجاهزية والرجال)، وهي سمة لقوات الدعم السريع تضعها شعارًا لها، وهذا ما يفتقده الجيش بكل مليشياته وكتائبه وبلابسته.