أخبارتقارير وتحقيقات

ما بين القصور الحكومي واتهام سد النهضة … الفيضانات والسيول سيناريوهات كل عام يتجدد

 

الخرطوم: أيمن المدو
في كل عام يفضح الخريف عورات الإجراءات التي تقوم بها السُلطات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المختصة في سبيل احتواء (هيجان) النيل وتمرده عن مجراه الطبيعي، حيث ظل النهر وروافده المختلفة وعند حلول شهر أغسطس يدخل الحكومة المركزية وحكومات الولايات في داومة من الإجراءات بهدف الحد من فيضانه، بيد أن تلك الإجراءات تتهاوى أمام أول موجة من السيول الهادرة معلنة سقوط ورقة التوت عن الحكومة التي تغرق في شبر ماء.

تمرد النيل
في هذه الأوقات من كل عام، مع بداية شهر أغسطس، يبدأُ موسمُ الفيضان، والذي ينطلقُ في رحلته من هضبة الحبشة إلى السودان ثم إلى مصر. وهو ما يعرف ببداية السنة المائية الجديدة، حيثُ تتساقطُ الأمطار، ويستمرُ الفيضان لمدة 3 أشهر، رحلة فيضان النيل تستغرق 15 يوماً، من الهضبة الإثيوبية حتى تصل إلى بحيرة ناصر في مصر، يقطع النهر في هذه الرحلة مسافة 2590 كم بسرعةٍ تصلُ إلى 168 كم يومياً.

صافرات الإنذار
ومازال الكثير من سكان السودان خصوصاً الذين يقطنون قرب المجرى مهددون بخطر الغرق والتشريد وفقدان ممتلكاتهم نظراً لتواصل ارتفاع مناسيب المياه في نهر النيل وروافده وتواصل هطول الأمطار الغزيرة، وللحيطة والحذر أطلقت العديد من منظمات المجتمع المدني صافرات الإنذار بجانب تحذيرات بشأن ارتفاع مناسيب المياه غير المسبوقة منذ بدء موسم الأمطار.

كارثة محتملة
وبحسب خبراء ومختصين فإن معدلات مياه الأمطار لهذا العام هي الأعلى مقارنة بالعام الماضي، ما يشير إلى فيضان عالٍ بجانب تدفق مياه السيول مما ينذر بكارثة محتملة تتطلب جاهزية الحكومة لتداعياتها، وإلا ستتحول الي مأساة إنسانية بسبب فقد الأرواح والممتلكات. والسؤال الذي يفرضه الواقع على الأرض، هل الحكومة خرجت من ثباتها العميق وتيقظت إلى مجابهة الخريف وتمرد النيل أم أنها ستسقط في امتحانه مثل كل عام؟

قصور حكومي
وللإجابة على السؤال يشير الخبير في علوم المياه والمصارف والسدود الأستاذ المحاضر بجامعة الخرطوم د.عمر محمد علي، إلى أن الحكومة قد سقطت بالفعل في إمتحان خريف هذا العام بسبب إغفالها وضع التدابير والتحوطات اللازمة لمجابهة الفيضان والسيول منذ أوقات مبكرة، وأبدى محمد سخريته من المسؤولين الذين يتفوهون بأن الخريف فاجأهم، وأضاف “ما في حاجة فاجأتهم غير عدم جاهزيتهم” وقال لـ(الجماهير) إن كل المؤشرات الطبيعية والبيئية منذ شهر مايو المنصرم كانت تشير إلى خروج النيل عن مجراه بجانب حدوث السيول نتيجة غزارة هطول الأمطار فوق الهضبة الإثيوبية بمعدلات غير مسبوقة، وحمل الحكومة أية كارثة تنجم نتيجة لتداعيات الفيضان والسيول وقال هنالك تقصير واضح من المسؤولين في وزارة الري بعدم تمليكهم المعلومات المتعلقة بسريان وتدفق مياه الأمطار على نهر النيل إلى الجهات الأخرى ذات الاختصاص، مثل الدفاع المدني وغيره إلا بعد أن تقع الفأس على الرأس، بحد تعبيره.

تكرار السيناريو
وذات مشاهد وسناريوهات الأعوام السابقة من معاناة ولايات البلاد المختلفة مع فصل الخريف تكررت هذا العام، حيث خلفت السيول والفيضانات انهيار بعض المرافق العامة وآلاف المنازل ‏‪وحذرت وزارة الرى من اقتراب منسوب النيل في الخرطوم من مرحلة الفيضا، وفي السياق أوضح التقرير اليومي لغرفة طوارئ الخريف بولاية نهر النيل عن هطول أمطار غزيرة بمحلية المتمة مما تسبب في انهيار عدد من المنازل بمنطقتي (أبو رقيوة) و(الزيداب) وتضرر بعض المدارس كما اجتاحت مياه النيل الأبيض أحياء (الكلاكلة القبة) جنوب الخرطوم بعد تجاوزها الجسر الواقي للمنطقة، وتمددت المياه إلى الأحياء السكنية. وفي ولاية جنوب دارفور أعلنت السلطات عن انهيار أكثر من 170 منزلاً، ونفوق مئات الحيوانات، جراء الأمطار والسيول التي ضربت مدينة (عدّ الفرسان) غرب مدينة نيالا.
وفي الخرطوم أعلنت حكومة الولاية عن تجهيز ألف متطوع للعمل في درء الفيضان كما جرفت السيول أجزاء من شارع أم درمان – بارا.

ارتفاع المنسوب
كشف البيان اليومي للجنة الفيضان (الأحد) عن إيراد النيل الأزرق عند محطة الديم بالحدود السودانية الأثيوبية، الذي بلغ معدل 550 مليون متر مكعب، مقترباً 610 مليون متر مكعب، وتوقع البيان أن يكون إيراد الايام القادمة بمعدل 450-550 مليون متر مكعب ويشهد قطاع النيل الأزرق ارتفاعا بمتوسط 40 سم، كما يشهد قطاع شمال الخرطوم ارتفاعاً بمتوسط 30 سم، وبلغ منسوب نهر النيل الرئيس بمحطة عطبرة 14 متراً و42 سم، فيما سجل نهر عطبرة 13 متراً و82 سم، فيما بلغ معدل التصرفات خلف سدي الروصيرص وسنار حوالي 450 مليون متر مكعب، وسجل مقاس الخرطوم 08.15 متر، ومنسوب التحسب للفيضان (00.15 متر).
أما إيراد نهر عطبرة عند الحدود السودانية الإثيوبية فقد سجل إيراداً بلغ 280 مليون متر مكعب، بينما تجاوز الإيراد خلف خزان خشم القربة 275 مليون متر مكعب، أما المنسوب بمدينة عطبرة فقد سجل 42.14 متراً أقل بـ76 سم عن المنسوب الحرج (18.15متر).

مياه سد الروصيرص
وفي الربع الأول من هذا العام أعلنت إثيوبيا عن حجز 13 مليار متر مكعب في بحيرة سد النهضة ما جعل الخرطوم تتحسب بحجز مياه في بحيرة سد الروصيرص، ولاحقاً عادت إثيوبيا وأعلنت عن اكتمال الملء لبحيرة سد النهضة ما حتم على وزارة الري فتح بوابات سد الروصيرص لتمرير المياه المحتجزة في بحيرته الأسبوع الماضي. فهل هذه المياه المحتجزة كانت هي كلمة السر وراء فيضان النيل؟ .
الخبير في مجال مشاريع حصاد المياه د. أحمد المفتي لم يستبعد أن تكون المياه المحتجزة بخزان الروصيرص تعد ضمن إحدى المسببات الأساسية لارتفاع منسوب النيل عن معدله الطبيعي، وقال المفتي لـ(الجماهير) إن تقارير وزارة الري المتعلقة بالموقف المائي تحدثت عن ارتفاع منسوب النيل بعد فتح أبواب خزان الروصيرص، مما يؤكد أن منسوب المياه ارتفع في حوض النيل في المجري أمام الخزان.

تدخلات عاجلة
وكشفت الحكومة عن بداية خروج المياه عن المجرى الرئيس للنيل وروافده نحو السهول الفيضية منذ “الأحد” الماضي بشكل تدريجي.
ووجهت غرف الطوارئ بالمركز والولايات بمراقبة جميع مراحل الفيضان عبر التدخلات السريعة لمعالجة التأثيرات في المناطق الحالية والتي تتعامل معها قوات الدفاع المدني في محليتي الفاو بولاية القضارف، ومنطقة عد الفرسان بولاية جنوب دارفور ومحلية المناقل بالجزيرة.
وأشارت تقارير لجان الطؤاري بالولايات إلى حاجتها للآليات والمعينات اللازمة لتعلية الجسور الواقية، وإقامة التروس وتوفير العمالة لتطهير المصارف، فضلاً عن المواسير الكبيرة وطلمبات الشفط والشيكارات وجوالات البلاستيك تحسباً للسيول والفيضانات.

مناطق الهشاشة
ومع مؤشرات التوقّعات بتدفق كميات كبيرة من مياه الأمطار في الأيام المقبلة فإن الجهات المختصة تدخل الآن في سباق مع الزمن ترتيباً وتحوطاً.
وفي ذات المنحني كشف مدير الإدارة العامة للدفاع المدني اللواء عثمان عطا، عن اكتمال جميع الاستعدادات لمجابهة فصل الخريف من خلال تعلية التروس والسيطرة على مناطق الهشاشة والفيضانات بالتركيز على المناطق التي أحدثت إشكاليات في خريف العام المنصرم.
وأشار عطا في تصريح صحفي أن هنالك جهد كبير بذل من قبل الجهات المختصة ووزارة الداخلية ووزارة البنية التحتية والطرق والجسور بتنسيق متكامل مع جميع الفرق المركزية.

توقعات وتنبؤاءت
وفقاً للمعطيات الماثلة والمشهد الذي ينذر بكارثة محتملة للفيضان، فهل تنبؤءات وزير الري الإثيوبي قد تحققت بشأن إفادتها أن السودان سيشهد فيضانات وشيكة لنهر النيل بسبب الأمطار الغزيرة وليس سد النهضة؟. ورجح وزير الرى الإثيوبى سيليشى بيكيلى، حدوث فيضانات محتملة في دول المصب، مشيراً إلى أن موسم الفيضان الحالى يشهد هطول أمطار غزيرة على المرتفعات الإثيوبية.
وقال بيكيلى في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية “إينا”: “خلال موسم الأمطار الحالي تهطل الأمطار الغزيرة في المرتفعات الإثيوبية، وتبلغ الكميات التي تصل إلى سد النهضة الإثيوبى حالياً أكثر من 6000 متر مكعب في الثانية، مما يحتمل أن يكون هناك فيضانات على مجرى النهر”. وزعم الوزير أن سد النهضة هو الحارس لدولتى المصب (مصر، والسودان) من خلال تقليل الفيضانات وزيادة المياه أثناء الجفاف وليس مهدداً لهما، على حد تعبيره.

إنذار بالخطر
وبالامس قرعت وزارة الري ناقوس الخطر حول حدوث فيضان وشيك وأكدت أن العاصمة الخرطوم وصلت لمنسوب الفيضان، حيث سجلت (16.48) متراً. وقالت الوزارة إن جميع قطاعات الأنهر ستشهد ارتفاعاً في مناسيبها بمتوسط 15 – 25 سنتمتراً خلال الساعات القادمة، داعية المواطنين لأخذ التحوطات اللازمة. وأشارت إلى أن إيراد النيل الأزرق عند محطة الديم على الحدود السودانية الإثيوبية بلغ 766 مليون متر مكعب، متوقعة ثبات الإيراد عند نقطة 600 – 650 مليون متر مكعب، وأشارت إلى أن إيراد نهر عطبرة عند الحدود السودانية الإثيوبية ظل في معدل 300 مليون متر مكعب.

سد النهضة على الخط
وفي سياق الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمقابلة فيضان النيل يبقى السؤال ماثلاً، هل لسد النهضة علاقة مباشرة بحدوث السيول والفيضانات التي تشهدها البلاد؟.
ومن ناحيته نفى الخبير في السدود والمصارف د.عمر محمد علي، ما تشهده البلاد من فيضان بسد النهضة، وقال: “بالعكس فإن سد النهضة هو بمثابة صمام الأمان للسودان من مخاطر فيضان النيل ومياه السيول المندفعة من الهضبة الإثيوبية، من خلال ما يحتجزه من مياه. بينما ]خالفه الرأي سلفه الخبير في حصاد المياه د. أحمد المفتي والذي وجه أصابع الاتهام لسد النهضة بالتسبب في الكوارث المائية التي تشهدها البلاد. وقال المفتي إن البراهين ستظهر نهاية أغسطس الجاري حول إذا ما كان سد النهضة هو المتسبب في الفيضان أم لا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى