رأي

محمد حمدان يكتب.. روائي لم يكتشف بعد

محمد حمدان

الصدفه وحدها جمعتني بالروائي الإرتري هاشم محمود، صاحب القلب النقي والرأى الثاقب، ذات صباح باكر بالعاصمة القطرية الدوحة، وأنا أنتوي الخروج رفقة عائلتي إلى المشفى، لتلقي التطعيمات الدورية لأبني أمجد، فإذا بشاب يُلقي عليَ التحية ويغادر بسيارته لحال سبيله، ولم تمضي سوى دقائق فيعود مجددًا، يقف بجانب سيارتي مستفسرًا عن مساعدةٍ أم أنَّ السيارة أصابها عطل. شكرته مجيبًا، “أنتظر الأولاد للخروج”. تلك بداية معرفتي بهاشم الإنسان النبيل، فهو جارنا الذي سكن حديثًا في المنطقة التى نقيم فيها.

ذات مساء ألتقيته مجددًا، فتعارفنا عن قرب، وبعد أن علم أنني صحفي تواصل معي وأهداني حزمة من المؤلفات الروائية، “مسافر زاده الكرة” و”الانتحار على أنغام الموسيقي” و”عطر البارود” و”شتاء أسمرا”.

وللحقيقة  تفاجأت بأعمالٍ روائية متينة ومتماسكة، ذات أبعاد ثورية تتناول قضايا الثورة الإرترية والشعب الإرتري، وقضاياه الاجتماعية والسياسية في قالب روائي شيق وراقٍ ووممتع بأسلوب السهل الممتنع.

قرأت أعماله بشغف، فهاشم لم يكن روائيًّا فقط، بل  مناضلًا يحمل وطنًا تشكل في دواخله شعبًا وحُلمًا، ففي توطئة المجموعة القصصية، “انتحار على أنغام الموسيقي” يقول: “حياة الأنسان مليئة بالتجارب والعبر، ولكل أنسان مدرسته الخاصة في طريقة تعامله اليومي، وكذلك تقبله نتائج تجاربه في شتى دروب الحياة، فكل إنسان يسقط تجاربه ومكتسباته الحياتية على فهمه للأمور وتقبله للآخر، نرى رجالًا ونساءً قدموا عصارة جهدهم من أجل الرقي بالمجتمعات، وآخرين تفننوا في تدمير ما بناه غيرهم، بقصدٍ كان أو غير ذلك، وليس من سعى لنفسه كمن سعى لمجتمعه.

يعالج هاشم قضايا مجتمعه بطريقة تبدو صادمة أحيانًا في رواياته وأعماله، ولكن بالتمعن في التعقيدات التي تُحيط بالمجتمع من عاداتٍ وتقاليدٍ يتضح أنَّ الرجل كمن يحمل كاميرا ويصور لنا الواقع دون تجميل، ففي قصة “ابنة الحرام”، تلك الفتاة التي ودعت جدتها كآخر فرد من عائلتها بعد أن فقدت والديها في حادث سيرٍ وأصبحت مُدَرِسة فيما بعد، ولكنها تكتشف مصادفة أن من توفي ليس والدها وأن والدها حيٌّ يرزق ولها إخوه وأخوات، بل لتعاسة الحظ أن هذه الفتاة التى تدعى “صالحة” كما ورد أنها تخسر حتى زميلها في المدرسة الذي توطدت علاقة حبها به، يسافر لإحدى الدول من دون أن يترك رسالة واحدة لها..الخ، ولكن يدهشنا هاشم حينما يختتم القصة أنَّ حب هذه الفتاة كان هربًا من ظروفها، وهل الهروب للحب يشكل ترياقًا مضادًا لليأس أم عدم قدرة على مواجهة واقعنا، بل يمضي ويدفق علينا مزيدًا من الاسئلة المحيرة حقًّا، هل يعترف الأب بابنته التى يعلم أنها ابنته من والدتها التى توفيت، هل يخبرها أنَّها لم تعد يتيمة، وكيف لها أن تتحمل أخطاء غيرها، وكيف ينظر لها المجتمع، وكيف تشعر حينما تتذكر الرجل الذي تربت في كنفه، وجدتها التى لم تعد جدتها؟

في روايته “مسافر زاده الكُرة” التي لخص فيها المسيرة الكروية لمحمد صلاح، نجم فريق ليفربول والمنتخب المصري، يدهشنا هاشم بتعلق قلوب المصريين بمحمد صلاح، الذي شكل ملجأ ربما للهروب من ضغوطات الحياة، فالتفاعل مع النجم بمثابة محطات هبوط وصعود للدولة المصرية، فرواية مسافر زاده الكُرة، تعتبر من أكثر الرويات مبيعًا في مصر.

هاشم محمود، روائي إرتري ولكنه سوداني الهوى، تعلَّم وعاش في السودان، ففي روايته شتاء أسمرا، يبدو أسلوب هاشم أقرب للواقعية ولكنه يقدم ذلك في قالب رشيق، يسرد قصص الحب والحياة ويصور لنا مدن الأحلام الوردية في واقع يجسد نظرته للأشياء ويعكس نقاء سريرته وبصيرته النافذة. حقَّا هاشم محمود روائي لم يكتشف بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى