محمد صالح تريكو يكتب: حرب الزغاوة والرزيقات.. حُلُم الاستخبارات
2024-04-23آخر تحديث 2024-04-23
56 4 دقيقةقراءة
تريكو البشر
ما أعلمه علم يقين أن قيادات قبيلة الرزيقات الأهلية وشبابها متفقون على عدم الدخول في حرب ضد أي جهة قبلية في دارفور أو كردفان.
على درب الأربعين قُتِلَ ما يقل عن عشرين من أبناء الرزيقات في ديار البرتي، في شهر أغسطس قتل شاب رزيقي أثناء وجبة فطور في سوق “أم سعونة” بواسطة مسلحين من البرتي، وقع القتل باستفزاز في سوق مشترك بين الرزيقات والبرتي، على الفور تجمع مقاتلو الرزيقات بهدف محاربة البرتي قائلين “الحلال لازم تنتش” والحلال جمع حلة، في اللحظة المناسبة أرسل وكيل الناظر “الفاضل سعيد مادبو” وفدًا من عمد القبيلة لتفريغ المقاتلين، ووفد آخر لمقابلة ناظر البرتي في “الطويشة” لتجنب الحرب بين القبيلتين.
وقتها قال ناظر البرتي “عباس ضوالبيت” إن هنالك مجموعات خارجة عن القبيلة وعلى تنسيق مع استخبارات الجيش تريد خلق أزمة قبلية.
في ديار قبيلة “حمر” تجاوز قتلى الرزيقات الخمسين شخصًا، أيضًا تجمع الرزيقات لمحاربة حمر قبل أن يتدخل وكيل الناظر بإرسال وفد آخر برئاسة العمدة “عمر خالد” لمقابلة ناظر الحمر في النهود وبكل وضوح قال أمير قبائل دار حمر: “لا توجد مشكلة بين الرزيقات والحمر، لا نزاع في حاكورة ولا ثأر قديم، وما يحدث عمل جهات عسكرية”. ويقصد قوات الاحتياط المؤسسة حديثًا بواسطة الاستخبارات العسكرية، حيث تم توزيعها داخل دار حمر على طول الطريق الترابي بين الخرطوم والضعين.
بعد فشل كل خطط الاستخبارات العسكرية التي تهدف إلى إشعال الحرب بين الرزيقات وعدة قبائل لتشتيت المقاتلين من القبيلة وتخفيف الضغط على حاميات الجيش في الأبيض والخرطوم، فكروا في خلق حرب قبلية بين الزغاوة والرزيقات وهو الخيار الأخير.
العلاقة بين الزغاوة والرزيقات أزلية، زادت من قوة حبالها الزيجات والصداقات بين الأفراد، في لحظات المزاح يَتهم الرزيقات قبيلة الزغاوة بأنها مَن علمت الرزيقات النهب المسلح، مع مبالغة وتأويل متعمد للآية “فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً”، يرد الزغاوة بأن “الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا”، وأن الزغاوة هي التي تأثرت بعد مخالطة الرزيقات بممارسات العرب التالدة وأول هذه الممارسات الهمبتة، اسم الدلع للنهب.
هذه العلاقة المتينة حاولت قيادة حركة مناوي أن تضعيف حبلها بخلق مشكلات في شرق دارفور، في البدء منعت الحركة التحصيل الحكومي في منطقة “لبدو ومهاجرية” بولاية شرق دارفور، قبل أن تفرض رسوم موازية لصالح الحركة، بالإضافة إلى مضايقات للبادية في تلك الأسواق. هذه الممارسات من قبل الحركة، دفعت قبيلة “البرقد” صاحبة الحاكورة للتذمر وضرب السيارات السفرية ذهابًا وإيابًا بين الضعين ومدينة شعيرية، وفي المقابل تدخلت حكومة ولاية شرق دارفور لمعالجة القضية باليد قبل التفكير في الحل بالسنون. كذلك تعرضت بادية الرزيقات في تلك المناطق لمضايقات (سين وجيم) عند دخولهم للبدو ومهاجرية من قبل حركة مناوي.
في هذه الأجواء المحتقنة ارتكبت حركة مناوي في مارس الماضي مجزرة، راح ضحيتها (13) شخصًا، نصفهم من قبيلة المعاليا، ليرتفع مستوى الاحتقان وسط القبائل الثلاث تجاه الزغاوة في مناطق لبدو ومهاجرية وخزان جديد، تلك السحابة عبرت عندما تمكنت قوات الدعم السريع من القبض على العربة منفذة الحادث وبداخلها متهم وعند تفتيشها وجدوا أمر تحرك عسكري صادر من قيادة مناوي.
تجمع مسلحون من هذه القبائل مهددين بتنفيذ هجوم على لبدو ومهاجرية، السحابة عبرت بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع من العربة منفذة الهجوم على المسافرين وبداخلها أحد المتهمين وعند تفتيش العربة عثروا على أمر تحرك عسكري يحتوي على أسماء جميع المتهمين، وتحت ضغط الإدارة الأهلية بشرق دارفور ومحاورة شقيقتها قيادة الزغاوة في كيفية الحل، وبعد نقاش مع قيادة القوة المشتركة، تم تسليم سبعة من المتهمين، مع تلكؤ في تسليم ثلاثة متهمين لا يزالون أحرارًا رغم شناعة الجرم.
المثقف الرزيقي
في مواقع التواصل الاجتماعي، سَوٌد كثير من الرواد الداعمين للجيش باستحياء، شاشات هواتفهم بسخرية من الدكتور الوليد مادبو، بأنه مجرد “رزيقي مثقف”.
إن جذور ثقافة آباء الاستقلال في السودان، مستمدة من العروبة، أما بسبب الدراسة في جامعات مصر ومعهدها -الأزهر- أو التأثر بكتابات المثقفين المصريين. لم يكن مدهشًا انحياز أولئك الآباء إلى العروبة، ولكن قبل أن يطلبوا الانضمام لجامعة الدول العربية، قوبل طلبهم برفض علني من دولة لبنان، ورفض خفي من دول الخليج. بلطف استفسرت الدول عن أي وجود مظاهر للعروبة وثقافتها الاقتصادية في السودان، ليرد آباء الاستقلال: نعم نحن عرب ويمكن أن نقيم زفة على الطريقة البدوية في السودان لتأكيد زعمنا.
وقتها طلب المركز من قبيلة الرزيقات الاستعداد لزفة في ديارهم على شرف زيارة الرئيس جمال عبد الناصر. حشد الرزيقات أكثر من (25) ألف حصان على ظهورها فرسان، قدموا عروضًا في سباق وركوب الخيل أذهلت الأجانب المشاهدين من الدول العربية -توجد فيديوهات لذلك في قناة يوتيوب لمن أراد التأكيد- كما قدموا للضيوف أحواضًا من اللبن والعسل في بحيرة سبدو الواقعة جنوب الضعين.
السخرية والتهكم من البداوة أمر لا يصدر إلا من رجل مطعون بالشوفينية الزائفة، لأن الرعي ثقافة نبوية قديمة ولم يرسل الله قط نبيا لقوم من حلة أو أبوه لديه حواشة في مشروع زراعي، بينما جميع الأنبياء المرسلين من الله خلفيتهم رعوية، بل مارسوا المهنة بالفعل.
يسخر أهلنا من مهنة التجارة بقولهم “شغال أم شطيطة” أي تاجر مواد تموينية، كما يحتقرون الزراعة حيث يقول شاعرهم في مدح شقرة جقر:
أنا بعرف القول وحتى الحديث وازرتا،
بلجن بأبي فال يا شقرة ول جقر جميلك ما هملتا،
اللحم البهارج النار يا شقرة ود جقر فوق الجموع قسمتا
والعب البجك مع الكورى يا خباز فوق الجلوس ناهمتا
ما دقيت جراية كرتا بيها التراب نخرتا،
ما قالوا لى زراعي ما قالوا خباز بغلتا،
يا الجدع الدعاس كافة خصيم عشرتا
التأمكك يا شقرة حمارة رقد بغرتا
وكافة خواجي عاداك دفترة نزلتا
السلهة والقرين فوقكن بدوك دقلتا
شقرة شقيت الدور كافة أجير نهزرته
رافع رأسك جاي وجاي مرسال ام تور كشكرتة.
للناطقين بغيرها أي -لهجة البقارة- يعدد الشاعر صفات الممدوح، منها الكرم لدرجة تقسيم اللحم المشوي للجموع، والشجاعة أي خصيم له يتحول عند المواجهة زلول كما البهيمة الشبقة، وبأنه يمتلك أبقارًا تغطي الساحة ولم يكن مزارع يحرث الأرض خاربًا تسويتها الطبيعية أو قولوا عنه لديه غلة (دخن).