رأي

مفاوضات أتلانتا .. طاولة بالقرب من متحف مارتن لوثر كينغ

سلمى التجاني

في بادرة تُعد الأُولى من نوعها ، وجهت الادارة الامريكية الدعوة للفرقاء السودانيين لجولة مفاوضات بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا الامريكية في السادس في يوليو القادم ، بمقر مركز كارتر للسلام ، وذلك بتكليفٍ من وزارة الخارجية الأمريكية .

ووفقاً لما نشرت صحيفة إيلاف الالكترونية منتصف هذا الشهر فان الدعوة قُدمت للحكومة السودانية ونداء السودان وحركتي العدل والمساواة السودانية وتحرير السودان مناوي والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال.

والمفاوضات التي يُراد لها مناقشة القضايا العالقة وكسر جمود التفاوض ، تأتي قبيل ايامٍ من موعد رفع العقوبات الامريكية على السودان ، في وقتٍ تغيرت فيه لهجة المجتمع الدولي تجاه المجموعات المقاتلة السودانية .

ففي التاسع عشر من يناير الماضي دعى دونالد بوث المبعوث الامريكي السابق للسودان وجنوب السودان قبيل مغادرته لمنصبه ، دعى المجتمع الدولي للتعامل بحذر مع الجماعات المسلحة السودانية التي ( تضع مطامحها السياسية فوق مصلحة الشعب ) كما نقلت عنه وكالة رويترز ، وجاءت تصريحات بوث بعد رفض الحركة الشعبية شمال لمقترح أمريكي حول توزيع الغذاء والدواء في المناطق التي تسيطر عليها ، قدمه في اجتماعٍ له مع الحركة بباريس ، واستطرد بوث في مؤتمرٍ صحفي عقده فور عودته لواشنطن ( وجدت ان بعض زعماء المعارضة السودانية – خاصة المسلحة – على أتم الاستعداد لتجاهل مصالح ومنافع المواطن العادي من اجل مطامحهم السياسية الطويلة ) ، ووصف رفض الحركة الشعبية شمال للعرض الامريكي بتقديم المساعدات الانسانية بانه كان اهدار لفرصة كبيرة لأحداث تقدم في مفاوضات السلام ومساعدة الناس الذين ( يزعمون انهم يقدمون لهم يد العون ) كما قال.

على صعيد المجموعات المقاتلة بدارفور ، قدم فريق خبراء الأمم المتحدة بليبيا تقريراً لمجلس الأمن في الاول من هذا الشهر عن مشاركة مرتزقة من السودان وتشاد في الصراع الليبي ، وقال التقرير الذي أورد اسماء قادة عسكريين من حركتي تحرير السودان – مناوي والعدل والمساواة السودانية ، ان التدخل الأجنبي في ليبيا اخذ شكلا مباشراً بازدياد وجود مرتزقة من السودان وشاد يتمركز نشاطهم في مناطق النفط ، وان وجودهم يعتبر تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار الاقتصادي بليبيا ، ويشتمل نشاطهم على اعمال اجرامية تتعلق بالاتجار بالبشر والمخدرات .

وذكر تقرير الخبراء أن الحكومة السودانية عبرت عن قلقها من أن وجود هذه المجموعات في ليبيا سيقوض جهود السلام بدارفور . التقرير الذي نشرته ( Libya Herald ) على موقعها الالكتروني أورد مناطق تواجد هذه المجموعات وإعداد قواتها وسياراتها والمحاور التي تسيطر عليها بالتعاون مع بعض الفصائل الليبية ، وحقَّق في علاقة احد الفصائل بجماعات إسلامية تحارب في ليبيا ، برغم ان قادة هذه الحركات قد نفوا رسمياً اي وجود لهم هناك.

لهجة واشنطون الغاضبة من مدى تعاون الحركة الشعبية لتحرير السودان في توصيل الاغاثة وفقاً للمقترح الامريكي ، ودعوة بوث للمجتمع الدولي لعدم الثقة في خيارات قادة الحركة والتي أخذت شكل التشكيك في رغبتهم في مساعدة مواطنيهم ، يشير لتحولٍ كبير في تعاطي الادارة الامريكية مع الحركة . كذلك فإن محاولة إظهار المجموعات المسلحة بدارفور كمرتزقة يعملون على تهديد الامن والاستقرار بليبيا ، وينشطون في تجارة المخدرات والبشر ، يبدو كأنه توطئة لتصنيفهم كشريك لا يعتمد عليه في تحقيق السلام بالسودان .

و يمكن قراءة محاولة تقرير خبراء الامم المتحدة بليبيا للربط بين بعض المجموعات الدارفورية الموجودة بمناطق الصراع هناك وجماعات إسلامية ( ارهابية وفقاً للتصنيف الامريكي ) ، كإتجاه لوضعها في قالبٍ يجعل منها مهدداً ، ليس للامن والسلم بالمنطقة فقط وإنما يدخلها في اطارٍ اكبر ، ربما توطئة لتصنيفٍ ما تمهيداً لتصفيتها . الاوضاع الداخلية للفصلئل المسلحة ستكون حاضرةً في طاولة التفاوض ، فقد مرت الفصائل الثلاثة بمتغيرات يمكن ان نصفها بالكبيرة ، وقد تؤثر في حسابات الوزن والفاعلية على المستويين السياسي والعسكري .

فالحركة الشعبية شمال خرجت من ازمتها الاخيرة وهي مقسمة ، في اعادة ( بالكربون ) لما حدث ويحدث في فصائل دارفور ، والتي اصبح ايراد اسم قائد الفصيل ضرورة للتمييز بينها . وفيما أعلنت بعض أطراف المعارضة مشاركتها في المفاوضات ، لا زالت الرؤية غائمة بالنسبة للشعبية ، برغم ان الفريق مالك عقار قد قطع في بيانٍ له السبت الماضي بعدم مشاركتهم ( نهائياً ) في اي مفاوضات او اتصالات مع الحكومة حتى يتفرغ فصيله للبناء على اسسٍ جديدة ، فيما لم يصدر من الفريق عبد العزيز الحلو اي تصريحٍ في هذا الشأن .

حركة العدل والمساواة أيضاً شهدت مؤخراً خروج مجموعتين من صفوفها ، إحداهما قادت مبادرة للسلام من الداخل . بينما لا زالت ملحمة وادي هور وشرق دارفور حاضرة في اروقة حركة التحرير والتي بذلت جهداً لتحويل خسارتها لمعارك شرق وجنوب دارفور لنقطة انطلاقٍ جديدة في طريق لملمة صفوفها .

كل هذه المتغيرات ستؤثر في طريقة تعاطي واشنطون مع الفصائل المسلحة وقد تصبح احد عوامل الضغط على هذه الفصائل في حال طرح الجانب الامريكي مشروعاً للتسوية النهائية. هذا من ناحية ، من جانبٍ آخر فان مفاوضات أتلانتا المرتقبة توضح اتجاها جديداً لإدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب للتعامل مع قضايا المناطق الملتهبة بصورة مباشرة .

فيبدو ان الجمود الذي صاحب التفاوض على قضايا وقف العدائيات والملف الإنساني والترتيب النهائي لاتفاق سلام ، إضافةً لتوتر الاوضاع بجنوب السودان ، قد دفع الادارة الامريكية للاعتقاد بعدم قدرة الاتحادين الاوروبي والأفريقي في تحقيق اختراقٍ قد يؤدي للوصول لسلامٍ بالمنطقة ، فرأت ان تتولى الأمر بنفسها .

إذ أن قضية إحلال السلام بالسودان كانت مجرد شرط وحيد من ضمن خمس شروطٍ أخرى وضعتها الادارة الامريكية لرفع العقوبات عن السودان ، وفِي ظل تركيز امريكا على قضايا محاربة الاٍرهاب والهجرة ، يبدو ان إدارة ترامب قد قررت القيام بمحاولة لطي هذا الملف ، ان استطاعت ، منفردة . ومع إلغاء الرئيس ترامب لاجراءات سلفه اوباما القاضية بالانفتاح على كوبا امس الاول ، وبرغم تزامن التفاوض مع موعد رفع العقوبات الامريكية عن السودان ، فانه يصعب وصف لقاء أتلانتا ، أهو حلقة في سلسلة رفع العقوبات ام منهج جديدٌ للإدارة الامريكية في التعامل المباشر مع الأزمات العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى