منتصر الزين يكتب.. المصلحة والضرر في تعديل الوثيقة الدستورية، قبل تشكيل المجلس التشريعي
2020-12-17آخر تحديث 2020-12-17
13 2 دقيقةقراءة
منتصر إبراهيم
الجدل الذي لا يجب أن يهدأ حول تعديل الوثيقة الدستورية، وما تم بإضافة المادة 80 الخاصة بإنشاء مجلس شركاء الفترة الإنتقالية، وإضافة المواد الخاصة باتفاق السلام الشامل، نبتغي من ورائه أن نرسم مسارًا منتظمًا ومنضبطًا للمرحلة الانتقالية، وبناءً عليه يجيء الاعتراض بغية التفكير في مصلحة الفترة الانتقالية بما يصبُّ في قناة المصلحة المؤسساتية بعيدة المدى (المجلس التشريعي كأساس للنظام البرلماني المعتمد في الوثيقة الدستورية)، والتطلع إلي مصلحة المؤسسة البرلمانية في المستقبل غير المحدود، بوصفه سعي نهائي، يجب الإلتزام به كروحٍ وليس مجرد تكوين شكلي كهيكل .
يجادل أصحاب تعديل الوثيقة الدستورية على النحو الذي تم بحجة تحقيق المصالح العليا للبلاد، بإدارة الفترة الانتقالية بشكلٍ توافقي، بين (شركاء الفترة الانتقالية) وإنفاذًا لما تم الاتفاق عليه في جوبا، بإزالة التعارض في الوثيقة الدستورية لإدراج اتفاق السلام، ونحن إزاء هذا التفكير فيما إذا كان هذا الإجراء يصبُّ في قناة المصلحة العامة فعلًا، وعن طبيعة هذه المصلحة أهي مصالح أفراد أم مصالح مؤسسات وأيُّهما تمثل أهدافًا مباشرة، يمكن أن يكون سعينا الدائم على أساسها، لإنجاح الفترة الانتقالية؟.
تقليديًّا، يمكن تناول موضوع المصالح العامة بطرق عدة، أن تكون المصلحة العامة ممثلة في قيم أساسية، ومبادئ أو مع مصلحة طبقة، أو مجموعة أغلبية، إلخ. وهناك مصلحة المؤسسات، وهنا يحضرني قول أرسطو: “إنَّ التوجه السياسي السليم للديمقراطية والأوليغارشية على حَد سواء، ليس ذلك الذي يكفل أكبر قدر ممكن من كل منهما، بل ذلك الذي يكفل أطول حياة ممكنة لكليهما.
إزاء هذا الاقتباس – بديهيًا – علينا أن نختار ما يكفل أطول حياة ممكنة للمصلحة العامة، ممثلة في النظام البرلماني المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية واتفاق السلام، وما إذا تم إدراج اتفاق السلام عبر المجلس التشريعي، يكون أكثر قيمة أو بالطريقة التي تمت عبر الاجتماع المشترك بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء .
نعتقد أنَّ الطريقة التي تمت بها تعديل الوثيقة الدستورية بحجة خدمة مصلحة السلام، يمكن أن نعتبرها مصلحة غير قابلة للتحديد العيني، أي أن ما جعل شركاء الحكم يتفقون على أنَّها مصلحة عامة اليوم، كان يمكن تحقيقها على نحو أكتر شمولًا واستدامة لصالح الشراكة، والغرض من تكوينها وما تم الاتفاق عليه ضمنيًا في كثير من بنود الوثيقة الدستورية، واتفاق السلام، وبناءً عليه، نرى اعتماد تعريف المصلحة العامة انطلاقًا من المصالح العينية لمؤسسات الحكم في الفترة الانتقالية ممثلًا في المجلس التشريعي أكثر قيمة، فعبره يمكننا القياس ووزن المصلحة العامة عينيًا كهدف مباشر وأساسي، في جميع تدابير المرحلة الانتقالية ويؤكد ضمان نجاحها بتنفيذ مطلوبتها واستحقاقتها من دون أي التفاف أو تواطؤ بين أطراف الشراكة السياسية .
أن الأهداف المباشرة للفترة الانتقالية تتمثل في تحقيق الانتقال من الحرب إلى السلام المستدام، والانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية، ولابد من التأكيد بدهيًّا أن المشكلتين أعلاه ترتكزان على قاعدتين أساسيتين، هما استقرار نظام الحكم والدستور الدائم، الذي يضمن هذا الاستقرار وهو ما نجده نصًّا في المبادئ العامة المؤسسة لاتفاق السلام في البند 12-1 (لتقاسم السلطة بصورة عادلة، أهمية بالغة لوحدة السودان وأمنه واستقراره، ويمثل التداول السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة وتفويض السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفق السلطات والصلاحيات المتفق عليها لمستويات الحكم المختلفة ضمانًا للاستقرار وأساسًا متينًا للحكم الديموقراطي في السودان).
ونحن إزاء هذا النص القطعي؛ علينا الالتزام به كمنهج هادٍ يؤكد عدم وجود تعارض يتطلب هذا الخرق بإدراج اتفاق السلام الذي يمتلئ – تلقائيًّا – بالثقوب. إنَّ ماتم الاستناد عليه لتبرير تعديل الوثيقة الدستورية بظن أنها تتعارض – في بعض بنودها – مع ما نصت عليه بتكوين المجلس التشريعي وصلاحياته، والذي يقضي بعدم تعديلها إلا عبره، لايتعارض مع أحكام اتفاق السلام، بل يمثل إنفاذًا فعليًّا للبندين المتفق حولهما، في الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا.
ليست هناك غاية للفترة الإنتقالية أكثر من إقرار دستور دائم. ولا سبيل لبلوغ هذه الغاية من دون الالتزام بنص الوثيقة الدستورية الانتقالية كمرجعية للانتقال، وتطبيقها حرفيًّا.
لذلك يجب النظر إلى تعديل الوثيقة الدستورية على أنَّه معيب شكلًا وموضوعًا، ويمثل انحرافًأ خطيرًا عن الغاية.