إعلان نيروبي بين رئيس وزراء حكومة الثورة السابق ورئيس تنسيقية تقدم الحالي، الدكتور عبد الله حمدوك، ورئيس حركة تحرير السودان، الأستاذ عبدالواحد محمد نور، والذي تم توقيعه في “نيروبي” بحضور رئيس الوزراء الكيني وليام روتو، هو اختراق جديد لصالح السلام في الوقت الذي ظلت فيه قيادات الجيش المختطف تمضي في اتجاه إضرام نيران الحرب رغم الهزائم المتلاحقة التي منيت بها في كل المحاور. حيث إن تصريحات قيادة الجيش تظهر بوضوح أنهم مستعدون للمضي بعيدًا في هذه الحرب التي أسموها بـ “حرب الكرامة” و”الحرب المقدسة” وغيرها من الأسماء التي تحمل دلالات ربما لا تستجيب لنداءات التفاوض من أجل وقف الصراع وتحقيق السلام على غرار الخطاب والنهج الذي يدعو له قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو. والذي يعتبر خطابه نقيضًا لحديث قائد الجيش الراضخ لقيادات الإخوان المسلمين، وهي جماعة يمكن أن تدخل البلاد في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. لأنها وجدت في هذه الحرب التي أشعلتها في 15 أبريل بـ “المدينة الرياضية” فرصة للانتقام من ثورة ديسمبر المجيدة وقوات الدعم السريع التي انحازت لها وتموضعت في اتجاه التغيير المفضي إلى تحقيق دولة المواطنة.
إعلان نيروبي يمثل خطوةً في اتجاه البحث عن حلول للأزمة السياسية، خاصة وأن أحد أطراف التوقيع هو رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) والذي وقع بدوره اتفاق سياسي في يناير الماضي مع قائد قوات الدعم السريع أحد طرفي النزاع، والذي يعد جهدًا مقدرًا في اتجاه إنهاء الحرب. إن اتفاق “دقلو- حمدوك” يؤكد أن قوات الدعم السريع ظلت تعمل لوقف الحرب وعلى أهبة الاستعداد للعودة للمفاوضات لوقف العدائيات وتجسير الطريق نحو العملية السياسية. وموقفها في ذلك ليس تكتيكيًا بل موقف ثابت أكدته كل الخطابات والمواقف والتصريحات الصادرة عن قيادة الدعم السريع بخصوص إيقاف الحرب والمضي نحو الحل السياسي التفاوضي. وهو الخط الذي يتسق مع موقف المجتمع الدولي الذي تؤيده الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والوساطة الأمريكية السعودية وإعلان أديس أبابا (اتفاق دقلو- حمدوك) وأخيرًا إعلان نيروبي الأخير، وكلها تدعو لوقف الحرب وتحقيق السلام.
إن مبادئ وأهداف إعلان نيروبي تتسق إلى حد كبير مع الأهداف العامة لثورتي ديسمبر وأبريل، وأهداف التغيير في بناء المشروع المدني الديمقراطي العريض القائم على العودة إلى منصة تأسيس جديدة قوامها بناء دولة ديمقراطية فيدرالية موحدة تقف على مسافة واحدة الأديان والثقافات والأعراق، وتدير التنوع والاختلاف بلا تمييز وأن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية. والعمل على إشراك كل المجتمعات السودانية في عملية التأسيس الشاملة وإعادة بناء المؤسسات المدنية والعسكرية بما يحقق العدالة وفقًا للكفاءة والمعايير الديمغرافية، والعمل على معالجة آثار الحرب وتحقيق العدالة الانتقالية وإنصاف ضحايا الظلم والتهميش والعنصرية وخطاب الكراهية.