تقارير وتحقيقات

نصف عام من حرب السودان، ماذا خسر الجيش؟

عباس محمد

كان 15 أبريل يوما صادما لأغلب السودانيين، لكن القليون منهم كانوا يخشون ما بعده. الحرب التي إندلعت صباح ذلك اليوم بين أكبر قوتان عسكريتان في البلاد الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف أيضاً بـ (حميدتي)، حذرت من وقوعها القوى السياسية المدنية بشت السبل.

قبل وقت كافي إرتفع صوت قادة تحالف قوى الحرية والتغيير محذراً من الذهاب في طريق الحرب والمواجهة. ولم يكتفي بالتحذير فقط بل قدم طرحاً سياسيا للخروج من عنق الزجاجة و تفادي المواجهة.

في أيام الحرب الأولى عندما كان السودانيين يستمعون لجنرالات الحرب عبر شاشات الفضائيات، قال الجنرال حميدتي المولود في العام 1975 ولم يلتحق بالكلية الحربية “أنه سيلقن قادة الجيش دروساً لم يتعلموها في الكلية الحربية”. 

في المقابل كانت التصريحات التي تصدر من معسكر الجيش، تؤكد قدرته على حسم المعركة خلال ساعات، ثم زادت واصبحت 3 أسابيع على لسان الفريق ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني. 

مرت 6 أشهر على الحرب المندلعة منذ 15 أبريل بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، فقد فيها السودانيين حياة احبائهم و شردوا من منازلهم، ودمرت البنية التحتية، وتعطل الاقتصاد تماماً. 

وكشف تقرير صدر مؤخراً أن حرب الخرطوم كبدت قطاع الإنتاج الصناعي في السودان ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب والعمال خسائر فادحة نتيجة حرق وتدمير المصانع بشكل كامل وجزئي، وأن أكثر من 80 في المئة من إجمالي مصانع البلاد بالعاصمة، أسهم التخريب في تعطل الإنتاج فيها، وتم تدمير مصانع عملاقة استغرق تأسيسها أعواماً عدة، وصرفت عليها أموال ضخمة، وفقدت مئات الأسر نحو 100 ألف وظيفة من بينها فئات عمالية، علاوة على نزوح ولجوء آخرين إلى الولايات ودول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وتشاد طلباً للأمان.

وجاء في التقرير أن  300 مصنع ومؤسسة إنتاجيةتعرضت للدمار الكلى والجزئي ونهبت المعدات والمخارن، مما أحدث خسائر كبيرة في أوساط رجال الأعمال، وتوقفت 80 في المئة من الأعمال اليومية بالخرطوم، مما أثر في حياة أكثر من ستة ملايين من سكان مدن العاصمة الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم.

تراجعت حالة الهياج العاطفي التي كانت تسيطر على الرأى العام بشأن ضرورة استمرارالحرب ودعوات دعم الجيش لحسم التمرد انحسرت. ففى قراءة سريعة لنشاط شبكات التواصل الإجتماعي، يتبين أن السودانيين قلقون بشأن مستقبل دولتهم. حتى داعمي الحرب من انصار النظام البائد الذي يقف خلف اشعالها، يكتبون بيأس عن حال الجيش. 

كل هذا ليس من قبيل المصادفة بل هو نتيجة، عكسية لخطاب التجيش للحرب، هكذا يقول: رئيس تحرير صحيفة الجريدة أشرف عبد العزيز، ويضيف الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان لم يحقق هدفه من الحرب و لم تحسم  المعركة ولا القضاء على التمرد في ساعات معدودات، بل أصبح الجيش في حالة دفاع عن حامياته بالخرطوم المحاصرة من قبل قوات الدعم السريع كما تراجعت قوته الضاربة المتمثلة في سلاح الجو بسبب أسقاط معظم الطائرات اما لاعطال فنية أو نتيجة تصدي دفاعات الدعم السريع لها.

أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة الجريدة

في المقابل هزائم الجيش العسكرية في ميدان المعركة أيضا ليست بالقاضية عليه، لأن الدعم السريع خسر المعركة اخلاقيا ومنح الجيش فرصة للحشد والتعبئة والتقاط الأنفاس.
ليبقى السؤال بعد مرور نصف عام على حرب الجنرالات، وملامح التصدع التي بدأت في معسكر دعاة الحرب، ما الذي خسره الجيش؟ المحلل السياسي والكاتب منتصر إبراهيم الزين يقول لـ ” الجماهير” لم يخسر الجيش سوى النعش ، فقد كسب بأن أجهز على نفسه وهو في حالة موت سريري مع تطاول الأمد، وهو يتلاعب بالسيادة السودانية ؛ لذلك رأيناه لا يتقبل كل أشكال التدخل، ولا يستجيب لاتجاهات التغيير ومتطلباته، فكانت طلقته التي أطلقها لإخضاع الدعم السريع بالقوة بمثابة النزع الأخير فقد كان الجيش السوداني في وضعية استعصاء على كل دواء وغير قابل للإصلاح ، لذلك الآن يرفض كل الحلول التفاوضية ، بما فيها لجان التحقيق الدولية .

منتصر إبراهيم الزين
منتصر إبراهيم الزين – كاتب ومحلل سياسي

ويتابع الزين ” لا أرى أن هناك فرص حلول تفاوضية مع الجيش بسبب بنيته الهشة، وهيكليته المفارقة للزمن السياسي في السودان؛ لذلك ارى أن يتم تجاوز منبر جدة، وأن تتجه أطراف وقوى التغيير الى بلورة مشروع سياسي لبناء الدولة ، والعودة إلى نقاشات وحوارات الإتفاق الإطاري تمثل بداية ومدخل، وأن يتجه الدعم السريع إلى تبني مشروع الحوار السوداني لاستكمال مسار الانتقال والتحول الديمقراطي على أساس المصالحة. 

صدمة السودانيين

اليوم أكملت الحرب 180 يوماً، لم يُظهر فيها مقاتلوا قوات الدعم السريع أنهم قادرون على الصمود في وجه الجيش وشن هجمات وفقا لتكتيكات معقدة فقط، بل كشفوا للسودانيين أن مؤسستهم المسؤولة عن تأمين حياتهم وحفظ حدود بلادهم، في أضعف حالتها، وتم إقحامها في مواجهة شاقة. و أن دعوات الإصلاح التي تضغط من أجل تحقيقها القوى الداعمة للديمقراطية، و يقاومها تنظيم الإخوان المسلمين الذي يسيطر على مفاصل القرار داخل الجيش، وأشعل الحرب من أجل قطع الطريق أمام إي تحول ديمقراطي للمحافظة على وضعيته داخل الجيش والدولة، وضع البلاد امام حرب صداما لا يملك القدرة على حسمه. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى