رأي

ياسر عرمان يكتب: اجتماع جنيف يهم الملايين من أصحاب الحق وضحايا الحروب

الاجتماع الحالي الذي انفردت بتنظيمه الأمم المتحدة في مدينة جنيف دون تنسيق واضح المعالم مع الإقليم والمنابر الأخرى ذو أهمية فائقة ولم يجد حظه الكافي من الاهتمام، ويأتي الاجتماع في وقت توزع فيه دم القضية السودانية على منابر عديدة دون تنسيق فعال! رغم أهمية كافة المنابر إلا أن عزفها المنفرد يقلل من أهميتها ونتائجها.

الكارثة الإنسانية التي يشهدها السودان اليوم هي الأسوأ والأكبر على امتداد الكرة الأرضية إذ تدمر حياة أكثر من (٢٥) مليون مواطن نازحين ولاجئين وقتلى وجرحى وضحايا جرائم الحرب في كل أنحاء السودان، وكما تدمر البنية التحتية وتشتت المجتمع وتتسبب في انهيار الدولة ومؤسساتها وعلى رأسها المنظومة العسكرية، وغابت عاصمة البلاد الخرطوم وهو أمر لم تشهده معظم الحروب الأهلية الأخرى مثل بغداد وصنعاء وعدن ودمشق التي ظلت حاضرة بشكل من الأشكال.

الحرب أولها كلام ولابد ان يكون  آخرها كلام، قال زهير بن ابي سلمى: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم، وما هو عنها بالحديث المرجم، متى تبعثوها تبعثوها ذميمة، وتضر إذا ضريتموها فتضرم، فتعرككم عرك الرحى بثقالها وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم، وما من يد إلا ويد الله فوقها وفي الحلم ادهان وفي العفو دربة وفي الصدق منجاة من الشر فاصدقُ.

تكمن أهمية اجتماع جنيف في أنه أتى بناءً على قرارين صدرا من مجلس الأمن الدولي وهي قرارات نادرة وغاية في الأهمية في ظل الانقسام الحالي في المجلس، كما أن الاجتماع يشهد مشاركة ربما تكون الأخيرة من الولايات المتحدة الأمريكية قبل دخولها انتخابات معقدة. 

الأهمية الأخرى للاجتماع أنه يبدأ بداية صحيحة بالشعار الرئيسي للقوى المدنية الديمقراطية وهو وقف الحرب ومخاطبة الكارثة الانسانية وحماية المدنيين،  إذ لا يمكن معالجة أسباب المرض قبل وقف نزيف المريض الذي يعطى الأولوية، رغم أن مسار جنيف مسار عسكري لم يتم ربطه بالمسار المدني وقضية العلاقة بين العملية السياسية المدنية والعملية العسكرية لوقف الحرب قضية حقيقية ويجب الا تهدف لإنتاج شراكة بائسة جديدة كما في الماضي على حساب الحلول المستدامة وثورة ديسمبر، وقد أتى الاجتماع في ظل تحركات اقليمية هامة ويخاطب قضايا الملايين المتضررين بدلاً عن قضايا النخب ويهدف لتحقيق هدف رئيسي هو وقف الحرب بعيداً عن تقاسم السلطة والموز والحالمين بما اسموه حقهم في توزيع السلاح والسلطة!

أيها الجيش سلاماً بالله لا تأخذ حربهم على عاتقك:

في وسائل التواصل الاجتماعي يسخر البعض من مواقف الجيش ورفضه حضور الاجتماع المشترك مع الدعم السريع واختياره أن يفاوض عبر الوسيط ( by proxy). ولأن السخرية لا توقف الحرب فان مجرد ذهاب الطرفين إلى مكان الاجتماع هو انجاز يحسب لصالح الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن وللطرفين، ولا يوجد سبب يدعونا لنسخر من مواقف الجيش فقصة هذه الحرب مؤلمة ومعقدة ومبكية ودمرت العباد والبلاد ومن واجب الجيش وقادته التفكير على نحو استراتيجي دون غضب أو أخذ أجندة الفلول على عاتقهم، فالشعب والجيش لهم تجربة مريرة مع الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني من حزبنة المؤسسات وتسيسها ولم تعاني مؤسسة مثل ما عانى الجيش، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع الحركة الإسلامية ترويض الجيش بالكامل مما يجعلها تدفع بصحفيات وصحفي الكبريهات (النوادي الليلة) عديمي القيمة والأخلاق الذين يظهر بعضهم في التلفزيون في بورتسودان في مختصر غير مفيد ويدعون لتغيير قائد الجيش بل يحددون من الذي يأتي بعده في تدخل سافر في شؤون الجيش. 

من مصلحة بلادنا أن لا يتمزق الجيش وفي نفس الوقت يجب أن يخرج الجيش من السياسة ومن أجندة جميع الأحزاب، وبإمكان قيادة الجيش أن تبني موقفها على أجندة  واضحة للشعب السوداني وللدعم السريع قائمة على وقف الحرب وحماية المدنيين وبناء جيش مهني وقومي وحكم مدني وسلام مستدام وأن يستفيد الجيش بأن مناطق سيطرته تشهد نزوح الكثير من المدنيين اليها مما يعزز فرصته في قبول أجندة حل الأزمة الانسانية في جنيف. الدمار الذي ألحقته الحرب بالجيش والدعم السريع إهدار لثروة بشرية في ظل تحديات ومخاطر تواجهها البلاد وعلى قادة الجيش السمو فوق المشاعر السلبية والرغبة في الحكم وتغليب صوت الحفاظ على المؤسسة العسكرية وإعادة بنائها وتأسيس الدولة والمصالحة مع ثورة ديسمبر كطريق لإنهاء الحرب وإعادة بناء المنظومة العسكرية. إن من مصلحة الدعم السريع استراتيجياً أن ينهي الحرب مع الجيش دون امتدادها لكافة ارجاء السودان، إذا مزقت الحرب الجيش فإن حكم السودان وبناء منظومة عسكرية في ظل سلام مستدام صعبة المنال لان الحرب ستستمر وتتناسل وتنتج أمراء حرب وصراعات إثنية في مختلف الأقاليم، وطريق انهاء الحرب هو ان لا يعمل اي طرف على اذلال الطرف الاخر او تعميق المرارات واذا انتصر اي طرف في هذه الحرب سيجد مصاعب جمة في تحقيق الاستقرار والاهم من ذلك أن الشعب لن يصمت وان هناك معركة ضخمة قادمة لا محالة مع قوى ثورة ديسمبر فهذه الحرب لن تمر مرور الكرام والثورة أعمق من ان تمحوها الحرب، وما ان يعود للمدن ألقها وللقرى حياتها وللريف قناديل الذرة حينها سترتفع رايات ثورة ديسمبر من جديد.

أخيراً، اجتماع جنيف هام وعلى القائمين بتنظيمه أن لا يكتفوا بجولة واحدة لأن الرصاص وأصوات المدافع في الأرض تؤثر سلباً وعليهم عقد سلسلة جولات بدعم من مجلس الأمن والمنظمات الاقليمية والدولية وحشد طاقات كافة المنابر الأخرى للدفع بالاطراف في سلسلة اجتماعات متقاربة زمنياً حتى لا يتم فقدان قوة الدفع وإذا فشلت الجولة الحالية لا سمح الله، على الوسيط تحديد أقرب وقت للجولة الثانية بدعم من مجلس الأمن الدولي والأفريقي والجامعة العربية. إن أي وقف إطلاق نار يحتاج ان يكون طويل الأمد وبرقابة إقليمية على الأرض. وطرفي الحرب يحتاجان هذا الوقف لأسباب تكتيكية واستراتيجية في مقدمتها اعادة تنظيم صفوفهم والسيطرة على قواتهم والأهم من ذلك حل الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين وعليهم تغليب الافق الاستراتيجي في وقف وانهاء الحرب وبناء السودان الجديد. 

علينا في القوى المدنية والديمقراطية أن نهتم بما يجري في جنيف وحشد الطاقات داخلياً وخارجياً في دعمه وانتقاد نواقصه. إن وقف الحرب يفتح الطريق للعملية السياسية الحقيقية التي بدون وقف الحرب ستتحول لمجرد تظاهرة ومناسبة لأخذ الصور التذكارية وتسلل الفلول على حساب الضحايا وثورة ديسمبر وترتيب الأولويات والسلام المستدام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى