اخرى

27  عامًا بقائمة الإرهاب.. ماذا خسر السودان وما المكاسب المنتظرة؟

تقرير: فتحية عبدالله

بعد أكثر من ربع قرن من الزمان قضاها السودان دافعًا لفاتورة سياسات وممارسات نظام الثلاثين من يونيو، الذي أطاحت به  ثور ديسمبر، يأتي القرار الأمريكي بحذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لتجد الحكومة الانتقالية في السودان، أنَّها أمام تحديات جسام متمثلة في إصلاح وتعويض ما خسرته البلاد جرَّاء سياسات العهد البائد، وأمام السؤال الملح حول المكاسب المنتظرة لإزاحة السودان من القائمة الأمريكية للإرهاب.

تعدد العقوبات

أدرجت واشنطن اسم السودان بقائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1993، لاستضافته آنذاك زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، لتتوالي بعدها العقوبات الأمريكية التي فرضت كسلسلة متواصلة على السودان، إمَّا بقرار من الكونغرس الأمريكي، أو من الرئيس مباشرة، ما أوقع خساراتٍ فادحةً على السودان، خاصة بعد رفض المصارف العالمية والشركات الغربية والعربية التعامل معه؛ ما زاد طوق العزلة الدولي المفروض عليه  إحكامًا.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

مساومة التعويضات

وكان الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، قد وقَّع – رسميًّا – على قرارِ رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد مفاوضات عديدة خاضتها الحكومة الانتقالية مع الإدارة الأمريكية؛ انتهت بدفع السودان مبلغ 335 مليون دولار كتعويضاتٍ لضحايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، واستهداف المدمرة “يو أس كول” قرب شواطئ اليمن، عام 2000، والتي تتهم واشنطن نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بالضلوع فيها.

ضوء آخر النفق

ولأنَّ قرار رفع اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب، يمثل ضوءًا في آخر النفق، بالنسبة للسودان لتحسين الأوضاع الاقتصادية مع المزايا التي يوفرها القرار بجذب الشركات العالمية للاستثمار، وإمكانية الإفادة من مبادرة الدول المُثقلة بالدُّيون؛ حسبما يري مراقبون، لاسيَّما في ظل مرور السودان بأزمة خانقة، لعدم امتلاكه لاحتياطيات من النقد الأجنبي، تمكِّنه من استيراد السلع الرئيسة: (القمح، المحروقات، الأدوية)، وارتفاع مديونيته الخارجية، وانهيار سعر صرف عملته المحلية (الجنيه). ثمَّة تساؤلات عديدة تنقب فيما هو متوقَّعٌ تحقيقه من مكاسب؛ حال سريان القرار واستعادة ما خسره السودان طيلة وجوده في القائمة الأمريكية السوداء عين الاعتبار.

عودة السودان

في السابق عدَّد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، عشرات الفوائد التي ستعود على السودان، جرَّاء رفع اسمه من القائمة الأمريكية لرعاية الإرهاب، وهي فوائدُ يتفق معه فيها كثير من السودانين، إذ إنَّ القرار سيفتح الباب أمام إعفاء السودان من ديون خارجية تتجاوز قيمتها 60 مليار دولار. وقال حمدوك: “إنَّ القرار يتيح لنا إدارة الاقتصاد بشكل أفضلَ، ويفتح الباب أمام عودة السودان للمجتمع الدولي، والخلاص من تركة النظام البائد، بعد أن ظللنا محاصرين من كل العالم، ليعود السودان للنظام المصرفي والمالي العالمي”.

وبحسب خبراءَ اقتصاديين، فإنَّ إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب لم يكن المشكلة الوحيدة، كما أنَّ إزالته من القائمة الأمريكية بعد كل هذه الفترة الطويلة لن يكون هو الحلَّ السحري للمشكلات الاقتصادية والسياسية، إنَّما تقع ضمن وسائل عديدة لحلّ هذه المشكلات

تكثيف الجهود

يقول الخبير الاقتصادي والقيادي بقوى الحرية والتغيير د. صدقي كبلو، أنَّ ثمة نشاطًا واسعًا يحتاجه السودان للاستفادة من قرار إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، يتمثل في ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية عبر وزارة الخارجية لتغيير قرارات مجلس الأمن على السودان والقرارات الدولية الأخري، هذا بجانب ضرورة استعادة العلاقات الاقتصادية مع الدول والمؤسسات العالمية، واستعادة الأموال المجمَّدة بالاتحاد الأوروبي منذ العام (1993) بموجب اتفاقية لومي، فضلًا عن الحرص علي إقامة مراسلين بأوروبا، وكلِّ أنحاء العالم لجلب عائدات الصادر، مع إجراء إصلاحات على المصفاة السودانية، والاستعانة بالبورصة العالمية، وإنشاء علاقات مع المنظمات الدولية للخروج من حالة الجمود التي ظل يعيشها السودان لربع قرن من الزمان.

كبلو
الخبير الاقتصادي د. صدقي كبلو

ويشير كبلو، إلى أنَّ قرار رفع اسم السودان من القائمة الدولية للإرهاب سيعفية من التعامل عبر الجهة الثالثة بشأن التصدير مثل سوق دبي، إذ إنَّ الشركات العالميةَ لديها علاقات وتعاملات مباشرة مع السوق الأوروبي، قبل أن يعلن عن توقعاته بشأن الانفتاح الذي ستشهده البنوك السودانية علي العالم؛ والذي من شأنه أن يحسن من سعر الصرف نسبيًّا.

إعفاء الديون

ووفقًا للخبير الاقتصادي د. محمد الناير، فإنَّ بإمكان السودان – الآن – الحصول على إعفاء كلي أو جزئي لديونه الخارجية التي بلغت (60) مليار دولار من أصل دين بلغ 17 مليار دولار فقط، وذلك من خلال الاستفادة من مباردة الهيبك لإعفاء الدول النامية المثقلة بالديون. وأكَّد لـ”الجماهير” أنَّ وجود اسم السودان بالقائمة الدولية للإرهاب كان عقبة أساسية أمام الاقتصاد السوداني، لكن وعلي أية حال، فإنَّ البنوك السودانية – الآن – يمكنها أن تجري تعاملاتها مع البنوك العالمية بسهولة ويسر.

الخبير الاقتصادي د. محمد الناير

وهذا من شأنه أن يسهل انسياب حصائل الصادر من جهة، وتحويلات أموال الاستيراد من جهة أخري، للحد الذي يمكِّن القطاع المصرفي من العمل بكفاءة أفضل مما كان عليه في السابق، حيث إنَّه كان يتعامل مع مراسل واحد فقط علي مستوى العالم في وقت يوجد عشرات، بل مئات المراسلين علي مستوى العالم، غير أنَّ هذا الأمر يتطلب إعادة هيكلة المصارف السودانية ورفع رأس مالها لمستوى جيد حتي تكون ذات قدرة ائتمانية عالية للتعامل مع المصارف الخارجية، مع تدريب الكوادر داخليًّا وخارجيًّا استعدادًا للمرحلة المقبلة. ويشير الناير إلى إمكانية حصول السودان على قروض بشروط ميسرة من مؤسسات التمويل الدولي، وعلي رأسها البنك؛ وصندوق النقد الدوليين، والعمل علي إنشاء بورصة الذهب وربطها مع البورصات العالمية.

تخوُّف المستثمرين

من جانبه، يقول الخبير في العلاقات الدولية، الرشيد أبو شامة، إنَّ رفع الاسم من القائمة الدولية للإرهاب وحده ليس كافيًا، لأنَّ نظرة المستثمر حيال السودان سوف يشوبها التخوُّف من تحريك أيَّ دعاوى إرهابية أخرى ضدَّ السودان، في وقت أنَّ الأخير لا يمتلك أموالًا لدفع ما يطلب منه من تعويضات نظير الهجمات الإرهابية التي تمت في عهد النظام البائد، وهنا تأتي أهمية قانون حصانة السودان. ويضيف: “الآن هناك اثنان من عضوية مجلس الشيوخ يرفضان – وبشدة – منح السودان الحصانة السيادية، إلا بعد دفع تعويضات لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (برجي التجارة العالمية)؛ وهذا بالتأكيد ما سيقف عائقًا أمام أي استثمارات دولية بالسودان أو أي تعاملات خارجية اقتصادية”. ويزيد: “ما يمكن قوله، إنَّ رفع السودان من القائمة السوداء دون إعطائه الحصانة السيادية لا معنى له، وسوف يكون المستقبل معلقًا مثلما كان بالعهد البائد عندما اجتهد وزير الخارجية – حينها – بروفيسور غندور، في تحسين العلاقات السودانية الأمريكية؛ إذ وقف أمامه – وقتها – وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب .

توقُّف القروض

وبالرجوع إلى الضرر الذي لحق بسمعة السودان منذ العام 1993، فإنَّ ثمَّة ما ترتَّب على القرار من توقُّف القروض والمنح من جهات دولية، منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما أسهم في ازدياد أعباء الديون، إضافة إلى تعثُّر الزراعة والصناعة بسبب نقص قطع الغيار والانقطاع عن التطورات التكنولوجية التي أثَّرت على عملية  التنمية، ما أحدث خسائر مالية قدرت بمليارات الدولارات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى