
يترقب السودانيون، صباح غد الثلاثاء، استئناف معاملاتهم المالية عبر النظام المصرفي العالمي، لأول مرة منذ مايربو على العقدين من الزمان، على خلفية القرارات الأمريكية الأخيرة برفع الحظر الإقتصادي عن البلاد، وهو ترقب ممزوج بفرحة حكومية كبيرة انتظمت مختلف قطاعات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، التي بدأت في رسم سياسات واستراتيجيات جديدة لمرحلة مابعد العزلة الدولية.
إلا أن ثمة ماينقص هذه الفرحة، فلازالت حقائق الواقع السوداني الـ3 ماثلة أمام الجميع، فالحرب مستمرة والاقتصاد منهك و مطالب التغيير السياسي لم يحدث فيها جديد يذكر، وبعد نحو عقدين من العقوبات الاقتصادية الغربية يقف السودان الآن أمام تحديات كبيرة، للقيام بجملة من الاصلاحات، على رأسها حوجة الاقتصاد السوداني لمعالجات كبيرة في مؤسساته وقطاعاته المتضررة.
لكن السؤال الذي يؤرق مضاجع السودانيين هو كيف السبيل إلى هذه المعالجات في ظل الحروب المشتعلة في أجزاء متفرقة من البلاد بجانب الأوضاع السياسية بالغة التعقيد و السياسات القمعية التي تفرضها الأجهزة الامنية تجاه السودانيين؟.
فالبلد الذي عاش في السابق أطول حرب أهلية عرفتها القارة السمراء،انتهت بفترة انتقالية في العام 2005 دامت 6 سنوات قبل انفصال جزئه الجنوبي الذي افقده عائدات نفطه وثلاثة أرباع موارده من النقد الأجنبي، يعيش مواطنيه ضائقة معيشية خانقة، و تشهد الأسواق إرتفاعاً جنونياُ في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية بنسبة 100%.

أول انعكاسات قرارات رفع الحظر على الواقع في السودان كانت اقتصادية، فبعد ساعات من صدورها ، سجلت أسعار العملات الاجنبية تراجعاً نادراً امام الجنية السوداني الذي ظل يعيش في تدهور طوال السنوات ال6الماضية حتي وصل في حدود 20 جنيا مقابل الدولار.
بيد أن هذا الانتعاش السريع و المفاجئ للجنية السوداني، يعتبر رد فعل لايعكس حالة الاقتصاد المنهك حسبما يؤكد على ذلك مسؤول رفيع بالبنك المركزي السوداني تحدث لـ” الجماهير” لكنه فضل حجب اسمه مشيراً إلى أن الإرتفاع مبني على تأثيرات نتيجة لاستجابة السوق للمعلومات و العوامل النفسية وهي الحالة التي يعيشها السوق هذه الايام.
وبناء على هذا التحليل يبدو صعود الجنية السوداني عارياً من العوامل الحقيقة لانعدام الانتاج و عدم وجود صادرات، وتوقع أن تعود حالة الاسواق الي ما كانت عليه خلال الاسابيع المقبلة.
اقتصادياً تتباين الأراء حول التغيرات المتوقع حدوثها بعد رفع الحظر، فالعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ عام 1997 وإصدار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لمذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير ، كانت لا تحظر على الشركات الأوربية الاستثمار في السودان، إلا أنها تجعل منه أمراً مرهقاً ، لصعوبة تحويل الأموال من و إلى السودان، عوضاً عن المعوقات الداخلية المتمثلة في الفساد الإداري والحكومي الذي أصاب قطاعات الدولة المختلفة بحالة من الشلل.
إلا أن القرار الأمريكي يفرض واقعاً جديداً يجعل منه مدخلاً لتنظيم حياة السودانيين بشكل كامل ولايجب حصره في الجوانب السياسية والاقتصادية المباشرة، وفقاً لوائل عمر عابدين، المتخصص في قانوني الأعمال الدولي و الاستثمار، منوهاً إلى أن ثمة خلل جوهري في طرق التفكير يسيطر على أغلب السودانيين، فهم لا يقبلون إلا بالحل الشامل كاملاً أو لا حل، و تابع: ” المشاكل الكبيرة تحل على مراحل و لا يمكن انتظار الحل بين يوم وليلة لمشكلة بمثل هذه التعقيدات “.
كما أن الدوافع الحقيقة وراء هذا التطور فرضتها مصالح “جيواسترتيجية” أمريكية في المنطقة تتمثل في الأوضاع في ليبيا بجانب محاولات إيقاف الهجرة الي دول حلفائها في أوروبا بجانب الصراع الصيني الامريكي ، فلولا هذه الملفات، يظل السودان دولة غير مهمة وبقاء العقوبات من عدمه لايؤثر على مصالح الغرب، لأنها في نهاية المطاف –حسب عابدين- لم تحقق نتائج فالنظام لم يتأثر، لذلك كانت هذه الخطوة لاحتواء السودان و إيقاف الانفتاح الصيني علي افريقيا عبره.
وائل عابدين: على الحكومة والمعارضة التنسيق للايفاء بالاشتراطات الأمريكية
استثمار هذ الانفتاح من قبل السودانيين يعتبر واجب المرحلة بالنسبة لعابدين الذي يقترح ان يبحث الجميع عن نقاط الاتفاق التي تمثلت في رفع الحظر .فعلى الحكومة و المعارضة التنسيق في ما بينهم للوفاء باشتراطات رفع العقوبات و هي اشتراطات تخدم جميع السودانيين و تتمثل في إيقاف الحرب، داعياً الجميع للعمل من أجل التوصل الي التسوية السياسية السلمية، مشيراً إلى أن من مصلحة المعارضة أن يحدث استقرار و تتوقف الحرب، حتي لو تم الامر عبر سلام سلبي.
رسم المراقبين صورة مغايرة للتي ينتظرها السودانيين، و هللوا بقربها خلال اليومين الماضيين، متوقعين أن يستمر تقييد الحقوق السياسية، و حرية التعبير و لا تلوح بارقة أمل لوقف الحروب التي تدور في مناطق مختلفة من البلاد مما سيؤثر على انعكاس قرارات الادارة الامريكية الاخيرة في واقع البلاد بشكل عام، إلا أن ثمة مؤشرات أخرى يحملها قرار مجلس الوزراء السوداني أمس الأحد بتمديد وقف إطلاق النار ل6 أشهر قادمة.
أحمد حسين أدم: الحكومة ستتسلح بالقرارات ولن تقدم تنازلات للمعارضة المسلحة
وعلى الرغم من ما يمكن أن يمنحه وقف اطلاق النار من آمال، إلا أن القرارات الامريكية الأخيرة لاتحمل حلاً سحرياً لأزمات البلاد، فهي في الأساس أزمة سياسية وليست اقتصادية حسب مايؤكد على ذلك أحمد حسين آدم وهو زميل زائر بمعهد التننمية الافريقي في جامعة كورنيل الامريكية، مشيراً إلى أنه من الصعب أن يحدث انفراج علي مستوى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ، فحل كل هذه الأزمات المعقدة والمتشابكة سياسي داخلي و ليس في الخارج،مشيراً إلى أن الحكومة اعتادت على الانكسار خارجيا من أجل قمع الداخل و الان الانتهاكات مستمرة و قتل المدنين في دارفور لم يتوقف.
كما أن هذه القرارات مشروطة بفترة 6 أشهر، وهي فترة لا تشجع النظام المصرفي الدولي على الدخول في تعاملات حسب أدم، الذي يشير إلى أن هناك عقوبات آخرى ضمن قانون سلام دارفور الصادر من الكونغرس والتي لا يمكن الغائها بقرار تنفيذي وهي تشمل عقوبات ذكية ضد الافراد بجانب أكثر من 100 شركة تتبع للنظام ، واستبعد ان يتم رفعها في المدى القريب.
تعقيدات الازمة السياسية في البلاد ستقود الي سيناريوهات خطيرة قد تصل الي انهيار الدولة ،حسب أدم، الذي يرى أن الحل يكمن في الاعتراف بالأزمة والتنازل الحقيقي و إعلان فترة انتقال سياسي جديد لا يتحكم فيها نظام الحكم الحالي، و يعمل على تغيير ديمقراطي حقيقي ينتقل بالبلاد من حالة الحرب والانتهاكات إلى رحاب السلام والديمقراطية بما يتيح لجميع السودانيين المشاركة في تحديد مستقبل بلادهم.
وهو الحل الذي يشير أدم إلى استحالته الآن فالنظام برأيه يشتري الوقت و لا يمضي نحو حل الازمة ولم يغير سلوكه و الدليل أن الحروب مستمرة ولا يوجد افق حل حالياً، كما أن الحكومة السودانية ستتسلح بالقرارا الأمريكي ما يصعب من وصولها لسلام مع الحركات المسلحة، لكونها لن تقدم أي تنازلات للمعارضة المسلحة في جولات التفاوض المقبلة.
عبد الله علي إبراهيم: لاتعصم “الإنقاذ” من التغيير ولادخل لأمريكا بترتيب بيتنا الداخلي