رأي

لماذا لم تتم تصفية موسى هلال ؟

 

بقلم سلمى التجاني

لماذا وصل موسى هلال وأبناؤه وأخوه وصهره سالمين إلى الخرطوم؟ ، ألم يكن من السهل التخلص منهم بتصفيتهم أثناء أو بعد المعركة ؟ ولماذا حرص حميتي في لقائه في سودانية 24 على التأكيد أن هلال وصل للمطار الحربي سالماً ( زي الشيطان الرجيم ) كما قال؟ ، رغم غيظه البادي وغضبه على مقتل ابن عمه عبدالرحيم في المعركة ؟ .

لسببين : أولاً لأن الخرطوم لا تريد موت هلال ، وثانياً لأن حميتي سيفكر ألف مرة قبل أن يخدشه ، وإن حرصت الخرطوم على سلامته فإن حميدتي أكثر حرصاً منها على ذلك .

بالنسبة للحكومة فهي تنفذ الخطة الأمريكية بشأن شروط رفع العقوبات عن السودان . كل شيئٍ يجري وكأن البشير لم يزر روسيا ولم يطلب الحماية . فأمريكا التي تتخذ قرارتها المتعلقة بالدول على ضوء دراسات تعهد بها لأكبر مراكز الدراسات المتخصصة في الشأن الدولي ، وبعد أن تناقشها عبر مؤسساتها المعنية ، لا تحفل بتصريحات البشير الهوجاء ، أظنها تتعامل معه كديك عدة غير مؤذي .
خطة أمريكا في التعامل مع السودان تتطلب بلداً خالٍ من بؤر النزاعات ، على طريقة بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني الذي يريد أن يحيل سرت لدبي أخرى ، فقط على الليبيين تنظيف شوارعها من الجثث كما قال. لذلك عمدت أمريكا في دارفور ، في المرحلة الأولى ، لشيطنة الحركات المسلحة وربطها بفوضى المليشيات والصراع المسلح بليبيا وتجارة المخدرات والبشر ، ولذلك أيضاً أكدت المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة أن دارفور خالية من الحرب .

أتى جمع السلاح كمرحلة ثانية في الخطة ، فقبل أن تشرع الحكومة في الدخول بأية مفاوضات مع الحركات ، تريد أن تعيد ترتيب الوضع الأمني والعسكري بحيث يصبح كل شيئٍ تحت السيطرة . ولأن وجود هلال وحرس الحدود يشكِّل عقبةً كبيرةً هناك ، كان لا بد من تصفية القوات بدمجها في الدعم السريع ، قوبلت الخطوة بالرفض والتعنت من قِبَل هلال وبدأ في المناورة ، فأصبح وجوده بالإقليم يمثِّل أزمة . وهنا وبصريح العبارة أوضح حميتي في لقائه التلفزيوني الأخير أنهم استعانوا بالأجاويد لإقناع هلال بالذهاب للخرطوم فلم يرفض ، غير أنه ظل يراوغ . كرر حميدتي كلمة استدراج اكثر من مرتين بشأن هلال في ذات اللقاء ، ما يوضح أن الحكومة أرادت هلال سالماً خارج دارفور . ما حدث بمستريحة كان تعقيدات للوضع الميداني الذي أسفر عن مقتل ابن عم حميتي وقاد لإعتقال هلال ومن معه .

تحرص الحكومة على سلامة هلال وربما في وقتٍ لاحق قد تعقد معه إتفاق يقوده لمنصبٍ حكومي رفيع ، لأنها تدرك ، ورغم كل مناوشاته ، أنه ليست بعدوِّها ، وأن ( باب الريد متاكى ) بينهما . وفوق كل شيئ ، فان الحكومة تعلم أن القبائل العربية بدارفور هي حليفها الرئيس ، وإن استعانت بها في وقت الحرب ، فإنها الآن أحوج إليها في بسط الأمن . ومن بين القبائل العربية ، فان قبيلة الرزيقات ، التي ينتمي إليها هلال وحميتي والسافنا ، هي حليفها الأكبر ، ومن مصلحة الحكومة والإقليم والقبيلة أن تتم تسوية الأمر بأقل كلفة في الأرواح ، لذلك ظل المعتقلين من أهل موسى هلال أحياء .
لماذا لم يصفِّي حميدتي هلال ؟ وكان يمكنه الإدعاء بأن ذلك تم اثناء أحداث مستريحة ، لأنه يعلم أن خطوةً كهذه تعتبر شأنٌ قبليٌ بحت ، وستتسبب في ملاحقته بالثأر هو وأبنائه وكل أهله ، ولن تستطع الحكومة حمايته وإن تعلَّق بثوب البشير ، وستوقع عليه مقاطعة إجتماعية قاسية تطاله هو وأهله . ولا أقسى من الثأر إلا العزل الإجتماعي عند أفراد المناطق ذات النظم القبلية . فللقبيلة في دارفور سطوة أكبر من المناصب التي تمنحها الحكومة ، تتغيَّر الحكومات وتظل قيم القبيلة باقية كما كانت منذ مئات السنوات . شيخ القبيلة ، كما حال هلال ، يُولد شيخ ويورِّثها لأبنائه وأحفاده ، وتظل هيبته من هيبة نظم الإدارة الأهلية الراسخة بالمنطقة . لذلك انزعج حميتي عندما سُئل عن انتمائه هو وهلال لقبيلة الرزيقات ، فقد وضع السؤال كل مخاوفه ومحاذيره أمام عينه . ومع ذلك قد تحدث تصفيات لبعض افراد القبيلة بالمعتقل كما حدث لآدم خاطر أحد المعتقلين مع هلال ، لكن تراتبيات القبيلة ستكون في حسابات الجاني .

لكل ذلك لن نتفاجأ بعودة هلال إلى واجهة الأحداث من جديد ، بثوبٍ أبيضٍ أنيق وأنفةٍ لم تكسرها الأغلال .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى