رأي

أحمد زين يكتب.. السَّلام وضريبة الفشل التاريخي

أحمد زين

لعل الحدث الأبرز الآن هو وصول قادة الحركات المُوقِعة على اتفاق السَّلام إلى العاصمة الخرطوم، وهو أمرٌ عظيم ويبعثُ السرور – إلَّا لمن في قلبه مرض –  باعتباره أحد الأهداف السامية لثورة شعبنا المجيدة، وأحد مهام الحكومة الانتقالية والتي حققت مؤخراً تقدماً ملحوظاً في عددٍ من الملفات المُهمة، وفي انتظار المزيد من التقدَّم والتجويد.

وكالعادة، ظهرت بعض الأصوات التي تُقَلّل من قيمة ما تَم حتى الآن، باعتبار أنَّ الاتفاق الحالي سطحيٌ ولا يخدم قضية السلام الحقيقية ولا يخدم مصالح المتضررين من الحرب، خاصَّة مع غياب حركتي عبد الواحد والحلو، من هذا الاتفاق وأنَّ الأجسام المُوقِعة ليس لها تأثير فعلي ويبحثون عن مناصب ومكاسب شخصية، وأنَّ بنود الاتفاق ضعيفة وستعود الحرب قريباً، ومبررات كثيرة وإن بدت منطقية فهي سطحية، لا تخلو من سوء نية وتدلُّ على كسل شديد في تحليل الواقع، لعدَّة أسباب تتلخص في الاتي:

أولاً، إنَّ اختلاف التقديرات السياسية هو ترفٌ نخبوي لا يعني المتضررين من جحيم الحرب من نازحين ومشردين، الذين تنحصر أحلامهم في اختفاء صوت الرصاص من فوق رؤوسهم، والعودة إلى قراهم آمنين، وبالتالي فإنَّ المُزايدة السياسية في موضوع السلام هي بضاعة فاسدة، لن تجد من يشتريها وأنَّ السلام الناقص أفضل لِمَن هم في معسكرات النزوح؛ من التمسك بالمواقف السياسية التي تُعبّر عن حزبٍ أو مجموعة سياسية.

ثانياً، محاولةُ التقليل من اتفاق السلام باعتباره بحث عن مناصب ومكاسب شخصية، منطقٌ ضعيف واستعلائي، ينطلق من فرضية ترى أنَّ السودان حكر على أشخاصٍ وجماعاتٍ بعينها، دون الآخرين، لأنَّ الهدف من العمل السياسي  المدني والمسلح، هو الوصول لنموزج دولةٍ تقوم على أساس العدالة والتساوي في الحقوق والواجبات، والاقتسام العادل للثروة والسلطة، وبالتالي من الطبيعي أن يضمن اتفاق السلام تمثيل المجموعات المتضررة، في كل مستويات السلطة وهو حقٌ وليس منحة من أحد.

ثالثاً، أوضاعُ الحركات المسلحة وضعفها ومشكلاتها الداخلية، مسألة طبيعة جداً في ظلَّ الظروف التي نشأت فيها، وتجربةِ العمل المسلح التي تُقلّل كثيراً من القدرة على البناء والتطوير، وهو نفس الحال في الأحزاب المدنية التي عاشت ظروفاً أفضل، وأقلّ مواجهةٍ للتحديات، ومع ذلك يعتريها الضعف والأزمات وتغيب من معظمها أبسط مقومات العمل الحزبي، فما بالك بالحركات المسلحة التي ظلَّت تحارب ترسانة النظام البائد العسكرية في الأحراش لسنوات طويلة، ويتعرض منسوبوها للتنكيل والاعتقال والتعذيب بصورة أبشع من المعارضين الآخرين.

وقد يكون هذا السلام  فرصة جيَّدة لبناء نفسها وترميم بنيتها الداخلية.

رابعاً، أيّ انتقادٍ لاتفاق السلام أو أيَّة عملية سياسية أخرى لا يأخذ في الحسبان تجربة الفشل المستمر في الدولة السودانية منذ بداية الحكم الوطني، يكون انتقاد غير عادل، فبلادنا تجلس على إرثٍ كبيرٍ من الإخفاق السياسي والاجتماعي، وتجربة الحكم الوطني صاحبتها الكثير من الخيبات لدرجة يمكن القول معها أننا لم نبدأ بعد مشروعَ دولةٍ حقيقي يُعولُ عليه.

مع كلّ هذا تكون المطالبة بمثالية العملية السياسية ضرب من الجنون، فلا أحزابنا قادرة على ممارسة دورها الطبيعي بسبب مشكلاتها الناتجة عن الفشل العام، ومؤسسات الدولة لم تكمل نضجها حتى يكون هناك نموزج نستند عليه، وبالتالي نحن في مرحلة التأسيس والتي من الطبيعي أن تأتي ناقصة وبها إخفاقات كضريبة طبيعية لمسيرة فشل استمرت لعقود طويلة لايمكن التمَلُّص من دفعها ولا يمكن القفز بالأماني إلى نموزج مُتَخيَّل تكون فيه التجربة كاملة.

الفترة الانتقالية بشكل عام واتفاق السلام بشكل خاص، يمكن أن يكونا بداية تأسيس لمشروع دولة تَسِع الجميع إذا أدركنا وضعنا الفعلي وتعاملنا بواقعية مع التحديات.

ومن يرى الاتفاق ناقصاً عليه بالعمل فالسماء لا تمطر نمازج مكتملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى