رأي

أحمد كنونة يكتب: شكراً الحركة الشعبية.. وداعاً أزمة خور الورل

أحمد كنونة

لا شك أن إقليم جبال النوبة/ جنوب كردفان أحد الأقاليم السودانية الذى ظلت تشتعل فيه الحروبات والصراعات والنزاعات منذ العام 1983 وتوقفت فى العام 2005 بإتفاق الشراكة حينها بين الحركة الشعبية- قطاع الشمال والحزب المحلول (المؤتمر الوطني) ولكن سرعان ما تجددت فى الحرب في 6/6/2011 وهو ما يعرف عند أهل جنوب كردفان بـ(الكتمة) وإستمر الحال دون الوصول إلى اتفاق سلام إلى أن جاءت ثورة ديسمبر المجيدة محمولة على أكتاف التغيير فتغير المشهد السياسى كلياً بصعود لاعبين جدد لقيادة دفة الدولة بشراكة عسكرية مدنية كحكومة إنتقالية فكان إتفاق سلام جوبا الذى جاء بالجبهة الثورية ضمن منظومة الحكومة الحالية.

وعلى هذا الأساس طرح والى الولاية حامد البشير إبراهيم كأول والى مدني برنامج حكومته التى تصدرها الأمن والسلام المجتمعى بسبب الصراعات القبلية بخلفية عنصرية التى ضربت المنطقة وتسببت في الكثير من الآثار السالبة على الأمن والإستقرار ويضاف لذلك الصراع بين الرعاة والمزارعين جراء التعدي على المسارات والمراحيل أو التعدي على المزارع وهو ما يعرف بصراع (القرون والجرون).

والآن دخلت الحركة الشعبية على الخط من خلال الإتفاق الذى تلقينا بيانه المشترك بين النوبة والحوازمة لتلعب دورها بما تمتلكه من ثقل وتمدد وقوة على الأرض لحسم الكثير من التفلتات الأمنية والنزاعات القبلية.

ومنطقة خور الورل واحدة من البؤر التى سببها الرعاة والمزارعين من القبائل المذكورة في البيان وأكيد هذه الجهود تصب فى المصلحة العامة للولاية والوطن وتكمن العديد من الضمانات لإستدامة الإتفاق والتى من بينها وزن الحركة الشعبية شمال فى الإقليم وحاجتها إلى تحسين صورتها مع شعبها ودخولها للتفاوض فى مايو المقبل دون شئ يعكر صفوها خاصة ذلك التوقيت يتزامن مع رحلة المرحال عبر خور الورل تجاه المصايف بشمال كردفان بجانب الروح الطيبة التى سادت بين الأطراف وذرفهم للدموع بدلاً عن الدماء وما نتج عنها من ثقة وإرادة.

وحسناً فعلت الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو وهى تعقد ملتقى بمنطقة (نقنجا) فى عمق مناطق سيطرتها بمقاطعة هبيلا فى الفترة من 9 _ 11 إبريل 2021 بين مكونات النوبة (لقوري، تيسي، كيقات، هدرا، أم حيطان أونشو، دلنج، كدر، الجبال الستة) ومكونات الحوازمة (دار نعيلة، حسينات، دار بخوته، دار شلنقو، أولاد غبوش، جميعية، رواوقة دار بلال، رواوقة أولاد مؤمن توبين). تحت شعار: معاً (لتحقيق سلام مستدام) .

الملتقى الذى جاء بغرض التعايش السلمي بين هذه المكونات وبرغم أهميته لم تظهر وقائع جلساته للإعلام إلا من خلال بيانه المشترك الذى أحدث صدى وسط مجتمع الإقليم ولاقى رضا واسع وسط الشارع بجنوب كردفان.

فهذا الملتقى أصاب الهدف فى مخاطبة وحدة اللحمة والدم والخيط الذى يربط نسبجها الإجتماعي وعلاقاتها التاريخية ونقطة تحول لتجاوز الأخطاء المريرة بسبب العنصرية والإستهداف الممنهج بسبب اللون والجنس وضرورة قبول الآخر والتعايش السلمي ورتق النسيج الإجتماعي وتعزيز التعاون المشترك لضمان إستقرار المنطقة.

فمخرجات هذا الملتقى تمثل دفعة معنوية قوية للحركة الشعبية شمال لدخول التفاوض في مايو المقبل بجوبا للوصول إلى السلام النهائي والمستدام بالإقليم وعموم السودان.

ومقارنة بين هذا الملتقى وما تمخض عنه من توصيات ظهرت جلياً فى بيانه المشترك وبين ما جرى فى الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور وما صاحبها من أحداث عنف دامية متكررة بين المساليت وبعض المجموعات العربية وما تم من معالجات من عدد من المسؤولين الذين زاروا الولاية وآخرهم رئيس مجلس السيادة الإنتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان وما أعقبها من قرارات وموجهات ركزت على الجانب الأمنى لحسم التفلتات الأمنية دون التطرق لمسألة الأرض وما حولها التى تعتبر أس النزاع بين الطرفين المتصارعين دون حسم نهائي لأمرها وبسببها قد يعودان للقتال مرة أخرى وفى أية لحظة خاصة فى ظل الحمية القبلية والعنصرية الطاغية فى الآونة الاخيرة، نلحظ أن ما تم فى ملتقى (نقنجا) قد جمع طرفى النزاع فى طاولة واحدة وبصورة مباشرة عبر حوار شفاف بينهما خاطب القضايا الأساسية محل النزاع من جذورها (الأرض) ودعا إلى إحترام عدد من المبادئ الخاصة بالأعراف والتقاليد والمواثيق الأهلية وإجترار ماضى الأجداد الزاخر والزاهر في مسائل التحكيم فيما يتعلق بالحواكير ولقد أعجبتني الفقرة (2) من البيان الختامي المشترك الداعية إلى إحترام الحقوق العرفية على الأرض والبحث عن سبل التعاون وكيفية مشاركة الموارد الطبيعية التى تزخر بها المنطقة .

فهذا نموذج يمكن أن يحتذى به فى حل مثل هكذا نزاع ليس فى جبال النوبة أو جنوب كردفان وإنما يصلح لأن يكون لأى بقعة سودانية تعانى من نزاعات مشابهة لأن أغلب الصراع فى السودان هو صراع فى الموارد سواء بين الرعاة والمزارعين أو ما يجرى في التعدين وغيره.

هذه الفقرة أتوقف عندها كثيراً لأنها تعود بنا إلى الماضى الجميل خاصة عند مرور المرحال نحو المخارف بشمال كردفان ببداية هطول الأمطار فى شهرى مايو ويونيو من كل عام كانت تخرج القبائل النوبية من المزارعين على طول رحلة المرحال على وداعه وتمليكها ما عندها من أبقار أو ماعز أو ضأن ليسير بها إلى المخارف وكانت تجرى بينهم ما يعرف برياضة (الصراع) بضم الصاد وليس بكسرها بالإضافة إلى أن المزارع القديمة فى مكانها دون توسع على حساب الظعينة كما أن الرعاة كانوا يحترمون السير على المسارات والمراحيل دون تعدي على المزارع كما أن الرعاة كانوا يهتمون بأبقار القبائل النوبية التى أودعوها معهم .

حيث أن المرحال لا يعود إلى المصايف بجنوب كردفان إلا بعد أن يحصد المزارعين مزارعهم المختلفة ويتركون العلف لأبقار الرعاة وعند العودة أيضاً يكون هناك إستقبال له ويسلم الرعاة أبقار وماعز وضأن المزارعين ويحسبون وبدقة وأمانة حتى الجدد التى تم إنتاجها ولادتها لحظة شهور المخارف ويبادهلم المزارعين من محصولاتهم ويرضى تام ويجرى بينهم ذات (الصراع) بضم الصاد هكذا كان إحترام الحقوق العرفية فى السابق وهكذا كان التعاون القديم بين المكونات فهم يتعارفون فيما بينهم فلذلك لا يتعاركون ولا يتصارعون على الموارد الطبيعية أبدأ ولكن الذى حدث فى الفترات الأخيرة هو نوع من الصراع على الموارد جراء التعدى سواء من المزارعين على المسارات والمراحيل أو من الرعاة على الزراعة فأنتج هذه النزاعات القبلية والتفلتات الأمنية .

شكراً الحركة الشعبية شمال على فرصة اللقاء بين هذه المكونات التى توصلت لحزمة من التفاهمات وأهمها:

1/ إحترام مبدأ المساواة وعدم التمييز بين الأشخاص على أساس العرق أو الدين أو على أي أسس أخرى.

2/ إحترام الحقوق العرفية على الأرض والبحث عن سبل التعاون وكيفية مشاركة الموارد الطبيعية التى تذخر بها المنطقة.

3/ العمل على تحقيق التعايش السلمي بين مكونات المنطقة وإحترام حقوق الجميع فى حق الحياة الكريمة والإستفادة من موارد المنطقة وممارسة الأنشطة المعيشية المختلفة.

4/ حسن إدارة التنوع وإحترام التقاليد والأعراف وخصوصية مكونات المنطقة وتراثها وتفعيل المواثيق والأحلاف والعلاقات التاريخية.

5/ حصر الإنتهاكات ورد المظالم وجبر الضرر بما في ذلك تعويض المتأثرين وأسر الضحايا بالإنتهاكات التى جرت.

6/ رفع الغطاء الإجتماعي/ القبلى والمؤسسي عن المجرمين ونبذ النعرات العنصرية والقبلية ومحاربة كافة أشكال العنف والصراعات الإثنية والحفاظ على أمن وسلامة إنسان المنطلقة وممتلكاته.

7/ تشجيع الجهود الأهلية والرسمية فى تنظيم عمليات حركة المسارات والمخارف والمصايف ومصادر المياه بما يضمن حقوق الجميع وفقاً للأعراف والتقاليد المتعارف والمتفق عليها.

8/ تعزيز دور الإدارة الأهلية فى تطوير الموارد المحلية والمحافظة عليها وتقوية إقتصاديات المجتمعات الريفية ودور مؤسسات المجتمع المدني فى العمل المشترك وأجهزة ووسائل الإعلام الرسمية والشعبية فى تقوية وإستدامة التعايش السلمي وبناء السلام المجتمعى المستدام.

9/ إنشاء لجان بصورة دورية للمصالحة الأهلية لتقوم بمعالجة أسباب التوترات والصراعات والنزاعات الأهلية فى المنطقة من جذورها خاصة القضايا الآنية العالقة.

10/ حصر الإنتهاكات الفردية فى إطار مرتكبيها والتعامل معها على هذا الأساس وبذل الجهود الأهلية والرسمية لمنع توسعها وعدم التسويق والترويج لها كمشكلة هيكلية بين المكونات المجتمعية مع ضبط المتفلتين ووضع آلية للمراقبة والإنذار المبكر.

شكراً الحركة الشعبية٠٠٠ ووداعاً أزمة خور الورل. حيث أن الملتقى مثل علامة فارقة لمسار المرحال فإتفق الطرفان على الآتى:

(أ) أن يكون مسار المرحال فى هذا العام (2021 _ 2022) عبر مناطق (الفنقلو/ السنينة/ القفيل/ الورل/ الدوماية/ فيو/ هبيلا/ الرطيرد عبر الردمية).

المرحال الذى شهد أحداثاً دامية فى منطقة خور الورل فى يونيو 2020 عند عبوره من المصايف فى طريقه للمخارف بولاية شمال كردفان قبل أن تكلل المجهودات بالنجاح بتوقيع اتفاق بين الغلفان ودار نعيلة وتفاهمات مع الحركة الشعبية قطاع الشمال تم حينها تسهيل عودة المرحال بسلام من المخارف إلى المصايف بجنوب كردفان.

هذا الملتقى وماخرج به وضع حد لهذه الأزمة ومهد الطريق للتعايش السلمى بين المكونات المجتمعية المختلفة وفتح الباب على مصراعيه للمفاوضين لرسم الخطوات النهائية للسلام السياسى.

نأمل أن يكون شهر مايو المقبل شهر خير على جبال النوبة وجنوب كردفان وعموم السودان بمرور وعودة المرحال دون خروقات وأن تعود الروح القديمة بين الرعاة والمزارعين في تبادل المنافع بينهما بتراضي وطيب نفس دون كراهية أو إشهار للبندقية.

كما نأمل أن يكون الشهر عند إنطلاقة المفاوضات المباشرة بين الحركة الشعبية قطاع الشمال وحكومة الفترة الإنتقالية هى النهاية للقضية وللحرب التى إستمرت لأكثر من ثلاثة عقود بالإقليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى