أخبار

لقاء بنسودا بالناجين من المحرقة الدارفورية، وتجذير خطاب المعسكرات

بقلم:عبدالله رزق
abusimazeh@yahoo.com
يمكن النظر إلى الزيارة التي قامت بها السيدة فاتو بنسودا، مدعية المحكمة الجنائية الدولية، كارفع مسؤول دولي، لمسرح احداث الحرب الأهلية، التي شهدها الإقليم، المحرقة الدارفورية، التي تنظر المحكمة بعض فظائعها:جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وربما إبادة جماعية، والوقوف على ابرز معالمها الباقية، ممثلا في معسكر كلمة، ولقائها مع سكان المعسكر،الذي يضم ١٠٠ الف نازح،  يوم الاثنين،الموافق ٣١ مايو ٢٠٢١، زيارة تاريخية، لها ما بعدها،رغم أنه قد سبقها إلى ذات المكان، في سيناريو مماثل، وللغرض نفسه، تقريبا، الأمين العام الأسبق، للأمم المتحدة كوفي انان. و يمكن النظر-كذلك- للمذكرة التي سلمها لها النازحون، كخلاصة وخاتمة مداولات ومناقشات وحوارات متعددة، بينها وبين أهل المعسكر، آخر واعلي مراحل تبلور مطالب نازحي ولاجئي دارفور، والتي ظلت تتكون مطلبا.. مطلبا، منذ وصول أول فوج من السكان الريفيين، الذين روعتهم الحرب، لأطراف المدن بحثا عن الأمان.
وقد ظلت هذه المطالب، تنقص أو تزيد، موضوعا دائما للتداول مع الزوار من المسؤولين، المحليين والامميين، منذ العام ٢٠٠٣، على الاقل، مثلما كانت مطروحة على طاولات التفاوض، بين الحكومة والحركات الدارفورية المسلحة، منذ ابشي، وحتى جوبا. ويعني  إعادة طرحها، على المسؤولة الدولية، أن تلك المطالب المزمنة، لم تجد استجابة بعد.
وعلى الرغم من أن   المطالب السبعة التي حوتها المذكرة، التي يتصدرها تسليم مطلوبي المحكمة، لا تدخل ضمن اختصاص  الجنائية الدولية، الا انها تفتقر للسياقات العامة الذائعة، من قبيل، صراع الهامش والمركز،جدل الدين والدولة، قسمة السلطة والثروة، الحل الشامل، الذي يستوعب كل القضايا وكل الأطراف، ذا الصلة….. الخ
ومع ذلك، يمكن لخطاب المعسكرات، بمضامينه المطلبية المحددة، أن يكون اساس حركة سياسية، تحل محل قوى الكفاح المسلح، وتشغل الفراغ الذي خلفته، منذ انسحابها من الميدان، عام ٢٠١٧،حسب خبراء الأمم المتحدة، إلى ليبيا والي جنوب السودان. ولم يكن مؤتمر جوبا غير إعلان رسمي بنهاية عهد الكفاح المسلح.
ولأن التاريخ، مثل الطبيعة لايقبل الفراغ، كما يقول القمندان تشي غيفارا، فإن قوى مدنية، أساسها النازحون وطلاب الجامعات، أصبحت مهيأة، أكثر من أي وقت اخر، لتكون عماد جيل جديد من  الحركة السياسية، التي ستستهل سلسلة جديدة من حلقات التفاوض مع الحكومة، في العواصم الإقليمية، العربية والأفريقية، مثلما كان عليه الحال في الثمانية عشر عاما الماضية، في انجمينا، وابوجا، وسرت والدوحة، وجوبا…. الخ.
ويعكس الخطاب الدارفوري الصاعد،  تقدم حركة الكفاح المدني، المرشحة للمساهمة في إعادة تشكيل الواقع السياسي الدارفوري، مقابل تراجع حركة الكفاح المسلح، وهو ينطوي، بشكل أو آخر، على احتجاج مبيت على مخرجات تفاوض جوبا، منبثقا، من تراث وخبرة الممارسة السياسية السلمية والمدنية، للنازحين وطلاب الجامعات، طوال سنوات الحرب، عبر المذكرات والتظاهرات والاعتصامات، مع قابلية استيعاب  مطالب جديدة يفرزها الصراع السياسي والاجتماعي، من قبيل الانفصال، والذي لوح به سلطان المساليت.
أن تراجع حركة الكفاح المسلح، وإلتحاقها، دفعة إثر دفعة، بعملية السلام، والتي ظلت تحدث عقب كل جولة تفاوض، من ابشي إلى جوبا، لا يعني اجتثاث جذور الحرب والاقتتال، وتحقيق السلام المستدام، لذلك تظل معسكرات النازحين واللاجئين عنوانا بارزا لأزمة دارفور، واستعصائها على الحل الجذري، حتى الآن.وقد بذلت جهود من قبل النظام السابق لتفكيك المعسكرات، لكنها فشلت، مثلما بذلت مساع، لادماج المعسكرات بالمدن القريبة، بتخطيطها لتكون سكنا دائما للنازحين،مثل، معسكر اردامتا، قرب الجنينة، وابوشوك قرب الفاشر، وكلمة جوار نيالا…
غير استمرار العنف، خاصة المرتبط بالنهب المسلح والصدامات القبلية، والتي شهدت في الآونة الأخيرة استهدافا للمعسكرات، جعل من ظاهرة النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، خصوصا، إلى تشاد، في تنام متصل، وبالتالي، اضطراد الزيادة في إعداد السكان المشردين من ديارهم، بما يتجاوز تقديرات الأمم المتحدة، التي بلغت، في وقت ما، ٢،٥ مليون شخص.
يدين خطاب المعسكرات في تفرده، ايضا، إلى فشل الحركات الدارفورية، في الجمع بين الكفاح المسلح، والكفاح السلمي المدني، بما يقتضيه من تنظيم للشعب في منظمات جماهيرية مختلفة، ومن استفادة من إمكانات النشاط السلمي المتعددة، وادماجها في سياق النضال الوطني الديموقراطي، الذي ظلت تنهض به الجماهير، في مختلف أنحاء البلاد، حتى انتصار ديسمبر ٢٠١٩. فعلى الرغم من تخلى الحركة الأم، حركة تحرير دارفور، من عنوانها الجهوي، عقب  مؤتمر ابشي، وتغيير اسمها إلى حركة تحرير السودان، فقد حافظت على طابعها الاثني، والسياسي، كامتداد لحركة سوني، ودارفور للدارفوريين، التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي، خلافا للحركة الشعبية لتحرير السودان، بقيادة جون قرنق، التي قدمت نفسها كحركة قومية قبل أن ترتد، عند منعطف نيفاشا، إلى حركة إقليمية وانفصالية، وعجزت، بالتالي، عن وضع قضية دارفور في إطارها الوطني الصحيح، وفي سياقات الحل الشامل للأزمة الوطنية.
https://m.facebook.com/aljamaheersd/
https://www.aljmaheer.net/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى