فنون ومنوعات

متاهات زيلر بين ظلام الذاكرة والهوية

 

مراجعة تحليلية ل فيلمThe Father

بقلم : مني عمر

عندما تتكتل “نهاية العمر الوحيدة” في زاوية العين. هذا العمل اللذي حصد الاوسكار عن دور أنثوني هوبكنز  هذا العام لأفضل ممثل ، مقتبس من مسرحية رائعة للكاتب الفرنسي فلوريان زيلر الذي أخرجه هو الآخر. يبدو وكأنه ثييتر او مسرحية طوال الوقت ؛ تدور أحداث الدراما التي تم تحقيقها ببطء في الداخل ، في مطابخ وغرف رسم مجهزة جيدًا ، مع نوافذ تطل على شوارع المدينة غير المُقنعة.

يلعب أنتوني الأوكتوجيني دور أنتوني الثمانيني الآخر: مهندس سابق يبدو ، في البداية ، أنه يعيش حلم الأرمل. إنه متحرك وثري ومستقل إلى حد ما ، ويقضي أيامه في الموسيقى الكلاسيكية واهتمام ابنته آنا (أوليفيا كولمان). تدريجيًا ، يتضح أن كل شيء ليس كما يبدو. أنتوني يفقد ساعته مرارًا وتكرارًا. إنه يتحول من روح الدعابة الطائشة إلى حالة من الغضب ، ويفتعل شجارا مع مقدمي الرعاية التي تحضرهم ابنته . كما أنه يفقد قدرته على التعرف على الأشخاص والأماكن والأشياء: هل شقته المريحة ملكه الخاص ، كما يدعي ، أم أنها تخص شخصًا آخر؟
ليس بعيداً عن السير انتوني هوبكينز ان يفاجئنا كعادته في تحفة فنية وتمثيل صاخب ليس اقل من اوسكاري
ارهاصات الماضي والمستقبل والذكريات مختلطة ببعض هذا الوعي اصبح منفصلاً عن محيطه
تعاني الشخصية الرئيسية من ذِهان الشيخوخة
مع انتشار مرضه العقلي ، تعود الاحداث إلى الوراء وتتأرجح ، تتكرر المحادثات وتتناقض ، يقلب الممثلون الشخصيات إلى أن تشعر الأرض التي تتصفحها القصة بعدم اليقين. هل تخطط آنا لحياة جديدة ساحرة في باريس مع حبيب؟ أم أنها ، في الواقع ، متزوجة – ولكن إذا كان الأمر كذلك ، فهل حقا كان زوجها معنفا لوالدها
ابنته الثانية المحبوبة قد ماتت ، لكن لا يمكنه إحضار نفسه ليُظهر لطفله المتبقي الحب الذي تستحقه ابنة طويلة المعاناة تحاول إقامة علاقات مع رجال استنزافيين ، حتى عندما يتم إخبارها مرارًا وتكرارًا أنها غبية وأنانية.
هكذا قيل في هذا النص الحواري الشاعري من الفلم
( اشعر اني افقد جميع اوراقي الاغصان والريح والمطر لم اعد اعرف من انا )
هل هناك اسوء من فقدان الهوية من الهذيان في عالم مطموس من الحقيقة
يُشكل الوعي البشري كحلقات عنقودية لتجسيد زمردية الحياة
وجوهر المرء من تلك الحيوات التي قد عاشها في سابقه و رؤيتها تندثر امام ناظريه ماهو الا التجسيد الحقيقي لليأس
تتمثل تراجيديا هذا العمل السنمائي في  تجربة العيش داخل متاهات ودهاليس الشخصية في حد ذاتها  وليست نظرتك الذاتية هذه المرة يعطيك المخرج تجربة هذا الرعب النفسي لمريض الشيخوخة بصورة واقعية حيث لم يحدد في جوانب العمل ان كان هذا الحدث حقيقي ام لا فقط اصبحت كمشاهد غني بهذه التجربة الفلمية بدون تلك الدوافع الشخصية اللتي ستتشكل لديك
نحن مطلعون علي عالم انتوني الفوضوي حيث لايوجد شيئ كما يبدو كل شيئ مزعج وجذاب ومثير في آنٍ معاً
الطريقة اللتي تنقلت بها الاحداث خلال لحظات حياة انتوني هي ممزقة تماما كواقعه و مبنية علي المؤامرات والتعاطف 
خلال 90دقيقة كل مشهد يجسُد الانهيار العاطفي بعد فُقدان كامل السيطرة والكرامة والهوية اعتمادا علي طمأنة الغرباء
نظرا لان تصميم المتاهة في الحبكة مثل النظم الصفية وهو سراب وهمي وغير حقيقي 
تتحلل هذه الرؤية تدريجيا في الفيلم من شقة فاخرة غنية الي جناحِ رعاية سيئ في المنزل ، يتراجع انتوني من موقع السيادة في مجاله الي سجين داخلها ، مرتبكاً،معزولاً ،خائفاً من اي وقتٍ مضى وهذه تراجيديا اليمة وان كان من خلال الم الزجاج اللذي يمنع اي جانب من القدرة علي الاتصال
تجربة مشاهدة قد تكون قاسية لكن بُحلة من الموضوعية ليس فقط بسبب الاشلاء الممزقة للقصة بل بسبب اداء هوبكينز وباقي الطاقم المبدع
هاهو انتوني محبوس في شقته التي لم يغادرها ابدا ويتم تجديدها كل لحظة وليس هو فحسب بل ذكرياته وتجسيد هويته سجينان ايضا معه حيث ان هذه الشقة والمشاهد الداخلية هي تفاصيله التي لم يغادرها ابداً كالكابوس اللذي لم يستيقظ منه هو  لا يعلم ان كان هذا واقعاً ام لا لذلك يُطبقٌ صامتاً  واي محاولة منه للتساؤل عما استيقظ عليه لن تقع الا علي آذان صَماء
ياله من عذاب وياله من الم
(اريد امي اريد امي، اريد الرحيل من هنا اريد ان اذهب للمنزل )
ي الله الخلاص من هذا الكابوس الآنهائي  والدوامة الابدية من الالم 
هذه هي صناعة الأفلام ماكرة ، بطريقة شبيهة بالتذكار: بينما يتشتت عقل أنتوني ، تتحول شقته وتتلاشى ، ونحن نغرق بشكل أعمق في مستنقعه. في بعض الأحيان ، تصبح عملية الدوران مملة تصف مشاهدة لرجل عجوز يصفق معصمه ، ومرة أخرى ، لساعة شاغرة – ومع ذلك ، ينتج المخرج صورة متحركة وعبقرية بشكل مخيف بحيث تغفر كل شيء في النهاية ولا تنسى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى