العنوان من قصة الأديب اليمني “محمد العمراني”، التي وردت ضمن مجموعته الرائعة والمعبرة والساخرة، الموسومة بـ: (نحن والحمير في المنعطف الخطير)، والتي يتحدَّث فيها عن معاناة أهل قريته الذين كانوا يجلبون مياه الشرب على الحمير من بئر بعيدة، وكان لا بُد لهم من أن يسلكوا في طريقهم إليها، منعطفاً خطيراً (عقبة) بجانب وادٍ سحيق، وقد تسبّب ذلك بوفاة عددٍ من الأطفال سقطوا مع الحمير من أعلى المنحدر ! على مدى عقودٍ، كان وجهاء القرية يجتمعون في منزل أحدهم يناقشون موضوع الطريق إلى البئر وكيفية إيجاد حلٍ لمشكلته من دون جدوى. وعندما عاد الكاتب إلى قريته، وكان قد تعرض للسقوط أكثر من مرة مع حماره حين كان طفلاً، وصادف حضوره اجتماعهم بخصوص حل مشكلة البئر وسقوط الأطفال في رحلة جلب المياه، أخذ فرصته في الحديث وسألهم: “لماذا لا تسلكون طريقاً آخر آمناً للوصول إلى البئر”؟، ففوجئ بإجابةٍ مفزعة، حيث ردوا عليه قائلين: “تعودنا ان نمشي خلف الحمير منذ زمن بعيد، وهي التي تسلك بنا ذلك الطريق”!
ما أشبه “البلابسة” وبعض أهلنا المُغرر بهم بأهل تلك القرية اليمنية، الذين أهلكوا أطفالهم بسبب مشيَهم خلف الحمير، والتي يقوم مقامها في بلادنا “اللايفاتيه” مدفوعي الأجر، و”خبراء” قناة الجزيرة (الاستراتيجيين)، ومؤخراً انضم إلى جوقة (الحمير) بعض البلهاء الذين ينتحلون صفة (سفير)، يقودون معهم البسطاء كما حمير القرية اليمنية إلى السقوط من أعلى المنحدر إلى قاعه، بعد ان انحدروا هم أنفسهم انحداراً سحيقاً، وصاروا يعتمدون على الأكاذيب في محاولة للتلبيس على الناس في ما هو مرئي ومحسوس، ومعلوم بالضرورة وبمنطق الأشياء!
ومن ذلك إن سفير البرهان إلى ليبيا إبراهيم محمد أحمد، وهو كادر إسلامي (كوز) وضابط أحيل إلى التقاعد بسبب الفساد، وقد تم تعيينه سفيراً عقب انقلاب أكتوبر 2021، واتسم في مهمته الجديدة بفساد الرأي وسفه الحديث وقلة التأدب أمام مقام الدبلوماسية والجهل بالإتكيت مظهرًا وجوهرًا، وقد وضح ذلك جليًا في ملبسه وجلسته، كما ظهر على شاشة قناة الجزيرة ملقياً بجسده بطريقة مائلة على الكرسي مسترخٍ بكسل وهبل؛ لا يحترم مقامه ولا مقام المذيع الذي يحاوره، حتى حط بالدبلوماسية السودانية العريقة انحطاطاً لا مثيل له، فأصبحت محل سخرية وتندر العرب والعجم.
تحدث الرجل الأجوف وهو لا يعني ما يقول، يهرف ويتأتى بسوقية وركاكة لا مثيل لها، لا يستطيع حتى تجميع جملة مفيدة واحدة تتكون من “فعل وفاعل ومفعول به”. وقد بدأ وكأنه يتحدث في (بث مباشر/ لايف) إلى قطيعه الإسفيري، وليس إلى محطة إعلامية – اتفقنا أو اختلفنا مع توجهاتها وخطها الإعلامي– لها جمهورها الكبير، لا تحتمل التهريج والفكاهة الرخيصة التي كان يريد بيعها في (حواري السقاين) فمن بؤسه وعبطه ظن أن الآخرين سيصدقونه إذا ما قال أن (حميدتي) قد قتل في الحرب، دون أي مساءلة أو حوار ودون أي نقاش، لا لشيء سوى انه ينتحل صفة سفير، وكأن لقب “سفير” مبرئا للذمة !! ثم إنّ لا أحد سيصدقك إذا قلت له إن فلان مات ثم عاد إلى الحياة مجدداً – حتى الذي لا يؤمن بالله – لا يصدق ذلك. ليس ذلك فحسب، بل لماذا ظنّ السفير أن المستمعين والمشاهدين العرب سيفهمون كلمة غارقة في السودانوية مثل (بعاتي)، حتى بدأ وكأنه جدة عجوز تخاطب أحفادها في قرية سودانية نائية وغارقة في جهلها، لا سفير دولة لسانه من لسانها!!
إن مثل هؤلاء الرجرجة – ممن جاء بهم انقلاب البرهان – هم الذي أضروا بسمعة البلد ووضعوها في الحضيض، ووضعونا في هذا المنعطف الخطير بسبب عقول الحمير.