رأي

التجاني خضر يكتب: الإعلام السوداني .. رصاصة جاهلة

التيجاني خضر
Altegani@journalist.com

تعريفات ومصطلحات أكاديمية عدة اجتهدت في تعريف السياسة وفنون ممارستها واوهمت بالكلمات حدود أخلاقية لأفعالها .. كل الاجتهادات التعليمية ومدارس الفعل السياسي تضع عقل الإنسان بمركز ( القائد والأساس) في تطويع الحركة والقرار.. والتأثير على أصحابه.. ثم تعمد بعد ذلك إلى إيجاد صورة نمطية لراس الفعل السياسي ( الريس أو القائد.. الخ) بحيث يكون الاقوى تأثيرا بفعل شعبيته أو حنكته أو قوته وعنفوانه واحيانا دكتاتوريته.

تتقلب النظم السياسية في العالم بين عدة مدارس.. بعضها يختلف في الاتجاه لدرجة العداء مع الفكر الآخر واحيانا تندلع مواجهات وحروب يعتقد فيها المرء أن الدنيا ستظل بهذا المراس حتى الزوال..

الأبواب الخلفية

هذا المصطلح ربما يغيب عن أصحاب الاعتقاد المبدئي ان لا سبيل اليه مادامت الشعارات ملزمة للجميع وان الحرب عقائدية ولكن دائما هناك أبواب خلفية.. من خلالها يتم وضع التفاهمات الأساسية للحفاظ على ما يمكن تفسيره (بتعرض سلطة الطرفين ومصالحهما للضرر) نتيجة الخلاف وربما مصالح أطراف أخرى أيضا مرتبطة بشكل أو باخر بهما..

الجمهور

دائما هو الهدف الأساس من صنع نظريات َأفكار لأنظمة الحكم.. الإيهام بالديمقراطية يجعل اعتقاد الفرد انه صاحب قرار مع مجموعته في المجتمع
اما النظام الدكتاتوريي فهو يجعل الفرد يظن انه صاحب ولاء دائم ويشعر بالفضل أو الخوف ليترسخ لديه مفهوم الطاعة ..
ولاجل صنع كل ذلك يكون الإعلام هو الرائد في تشكيل الأفكار المجتمعية وتعيين وجهات النظر وتقسيم الناس لمجموعات كل منها يؤيد فكرا مختلفا .. هذا الاعتقاد لدى الجمهور يوصله لمرحلة تبني الصدام مع الفكر الآخر وربما صنع امتدادات هائلة تغذي الصراع وتدفع به إلى صراع مستمر .. ويتبني الأفراد فكرة مخالفة بعضهم البعض بل وحتى الوصول الي الحرب..
لكن هل نفس الأفكار موجودة لدى القيادات ؟؟
يظل الحديث عن حل الخلافات و التفاوض واردا بناء على ثوابت المساق الأخلاقي والوطني العاطفي.. مثل الحفاظ على وحدة البلد وتجنب الخسائر في الأشخاص وفي الأموال وتحقيق السلام.. لكن كيف يكون التفاوض؟ هذا ما لاينتبه لمجرياته و لنتئاجه هؤلاء الأشخاص في المجتمع.. فكل التفاهمات التي تتم يعمل الإعلام على تزيينها بمكاسب لكل طرف ثم تدمج بداخلها الشعارات ويتحول الأمر إلى كرنفال من الاحضان والمشاعر الجياشة..
مرة أخرى.. ما حقيقة الأمر؟
حقيقة الأمر أن مصالح الأطراف المتنازعة إذا ما تعرضت للتهديد بينهما وادي الأمر إلى إشعال حربا ضروس ستنتهي هذه الحرب بمجرد ان تتحقق هذه المصالح أو تتم تسوية بين الطرفين المختلفين تضمن لكل منهما مصالحه..
ولكن أين موقع الناس من هذه النتائج .. وكيف لم ينتبهو الي ان لاناقة ولاجمل قد كسبو.. بل ربما خسرو وبرضاهم وبايديهم كل شي.

رصاصة الإعلام أقوى من دانة مدفع

يتساءل كثيرون حول الرخم الإعلامي الداخلي الذي شاب الحرب في السودان.. الملاحظ ان حجم الاهتمام الإعلامي الداخلي كان أكبر من أي حرب أخرى في المنطقة.. حتى ولو على الأقل داخل السودان رغم التغطيات الإخبارية العالمية والعمل المعروف للإعلام الأجنبي الذي يدعم مصالح دول بعينها .
لكن الإعلام المحلي شكل مجهودا كبيرا مبذولا للتأثير على الرأي العام عبر الإعلام .. خلال ستة أشهر زاد وبعدد كبير عدد الصحف والمواقع الإلكترونية التي تتعامل مع الحرب .. وصرفت أموال باهظة ربما تعادل حجم المجهود الحربي لشراء أسلحة للطرفين وتم تطويع وسائل تقنية حديثة ومكلفة لعرض الانتصارات والتي قد يكون بعضها حقيقيا أو زائفا.. وبلغ عدد الكتاب للصحف وأصحاب أعمدة الراى والمشاركين عبر صفحات التواصل الاجتماعي عددا كبيرا ومضاعفا بشكل بائن عما كان عليه الحال قبل الحرب.. اجتهد بعض الباحثين لتصنيف المواد التي تبث عبر الوسائط المختلفة فلم يجدو غير انها حرب إعلامية بين الطرفين ذات محتوى موجه هادف لتحقيق انتصارات على الفضاء الاسفيري

تأثير الإعلام على مجريات الحرب في السودان

صنعت أدوات الإعلام الحديث خلال استخدامها في الحرب في السودان واقعا زاد الأمر تعقيدا إذ قسمت المجتمع بين مؤيد لطرف أو الطرف الآخر أو لرافص للحرب
هذه الفئات اجتهد كل طرف منها لتحقيق انتصار لفكرته فلجأ الي أساليب تزيد من تعقيدات الأمر بل وصنعت واقعا إعلاميا جديدا يعتمد على الاصرار على تقديم نصر له وهزيمة للآخر حتى ولو كان الثمن اخلاقيا .. وجدت بعض من هذه الأعمال قبولا و َرواجا وشكلت مدرسة جديدة وخليط من المعلومات الاستخباراتية والمعلومات المضللة والزخم العنصري المؤجج للحرب وغطت نوعا ما على التدنى الأخلاقي والمهني الذي كان سائدا في هذه الوسائط قبل الحرب.. فقلت إيرادات صفحات العهر المجتمعي والغناء الهابط والمحتوى السخيف ( هذه تصنيفات قد يختلف فيها البعض) ولكنها تراجعت أمام إعلام الحرب..
لم يفكر احد فيما يفعل.. فقط يعمل بما رسخ في ذهنه من مبادئ وروح الوطنية التي يعتقدها أو تعصب للفكرة التي اقتنع بها وفقا لحجم ثقافته ومعرفته بطبيعة السياسة مجريات الحياة ومعدل تعليمه .. أو ينضم لفرصة التكسب بأقل مجهود وتجيير فكره وقلمه وموهبته لحفنة من الأموال مقابل دعم احد الأطراف ولكن هل هذا هو حال من يفتعلون ويقودون هذه المعارك ؟

نواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى