يقدم الدكتور النور حمد في هذا الحوار تحليلاً متشائماً للوضع في السودان، لكنه يعبر عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام في جدة ويقول: إن الوضع الميداني للمتقاتلين، والشروخ الداخلية داخل بنية كل طرف، وحالة الانهاك العام وانسداد افق النصر الحاسم، ستجعل الطرفين أقرب لقبول خارطة الطريق التي وضعها الميسرون. ويؤكد أن عودة العسكر إلى الثكنات وتكوين جيش قومي مهني واحد هي شروط أساسية للتحول الديمقراطي في السودان. كما يدعو القوى المدنية إلى الوحدة ورص الصفوف لمواجهة نظام الاسلاميين وحلفائهم. و يتوقع أن يكون للجبهة المدنية دور في مرحلة ما في التفاوض، بعد أن يجري تثبيت وقف مستدام لإطلاق النار، وبعد ان تصل الإغاثات والعون الإنساني إلى المنكوبين.
حوار – الجماهير
(*) بدات المفاوضات بين الجيش والدعم السريع بجدة، فهل هناك بارقة امل بالتوصل إلى اتفاق سلام ينقذ ما يمكن انقاذه؟
نعم هناك بارقة أمل، بل ينبغي أن يتوصل الطرفان إلى وقف لإطلاق النار، فأحوال الناس لم تعد تحتمل، والبلد نفسها لم تعد تحتمل. كما إن تجربة الحرب أثبتت صعوبة حسمها عسكرياً لصالح أي من الطرفين، بل إن حسمها لصالح اي من الطرفين، إنما يعني نشوء نظام عسكري جديد، وديكتاتورية جديدة، ووأد كامل للثورة وأهدافها.
(*) في تقديرك ما هي أهم الصعوبات التي تواجه جولة التفاوض؟ وكيف يتم تجاوزها؟
أثبتت التجربة منذ بداية المفاوضات عقب اندلاع الحرب، أن الصعوبة والتعنت تأتيان من جانب القوات المسلحة، التي ظل قرارها مرهوناً لدى المدنيين من المتطرفين الإسلاميين الذين أشعلوا هذه الحرب، وورطوا فيها القوات المسلحة بغرض نقل الصراع إلى مربع جديد، يفقد فيه السودانيون أمنهم تماماً، ويجعل عودة الإسلامين إلى السلطة بمفردهم أمراً واقعاً. فالدعم السريع قبل باستمرار التفاوض دون قيد أو شرط، في حين ظل وفد القوات المسلحة المسيطر عليه من قبل المدنيين الإسلاميين ينسحب من المفاوضات، مصراً على إملاء شروطه على الطرف الآخر، رغم إنه لا يملك في أرض المعركة ما يجعله مؤهلاً لإملاء الشروط. الوضع الميداني المتسم بالخسائر المتتالية للجيش الإخواني، وتشقق حلف الإسلاميين المدنيين مع إسلاميي الجيش، يجعل التوصل إلى وقف لإطلاق النار أكثر إمكانا من ذي قبل.
(*) مفاوضات جدة ستكون علي ثلاث مستويات الملف الانساني وفصل السياسي عن الملف العسكري الأمني وفقاً لخطاب الدعوة، فإلي أي مدى تمثل جدية الطرفين في حسم الثلاث مستويات؟
أعتقد أن الوضع الميداني للمتقاتلين، والشروخ الداخلية داخل بنية كل طرف، وحالة الانهاك العام وانسداد افق النصر الحاسم، ستجعل الطرفين أقرب لقبول خارطة الطريق التي وضعها الميسرون.
(*) هل تتوقع أن يكون للجبهة المدنية دور في مرحلة ما في التفاوض؟
لابد بطبيعة الحال من أن يكون للجبهة المدنية دور، لكن بعد أن يجري تثبيت وقف مستدام لإطلاق النار، وبعد ان تصل الإغاثات والعون الإنساني إلى المنكوبين. ولابد لمفاوضات جدة أن تأتي بالمدنيين في مرحلة ما. فالإشراف على توزيع الإغاثات ومراقبتها تقتضي حضورا مدنياً، وكذلك رصد الانتهاكات المحتملة يقتضي أيضاً حضوراً مدنياً. يضاف إلى ذلك أن الثورة إنما كانت من أجل التحول الديموقراطي وعودة العسكر للثكنات وإبعادهم تماما عن ممارسة السياسة، ثم العمل على تكوين جيش قومي مهني واحد. وتجر كل هذا الإمور – وبالضرورة – الجبهة المدنية إلى الواجهة لاستعادة العملية السياسية التي جرى اعتراضها بانقلاب 25 اكتوبر وحرب 15 ابريل.
العودة إلى الاتفاق الإطاري هي الحل السياسي الوحيد الممكن
(*) ما هو تصورك للحل السياسي؟ هل يمكن العودة للاتفاق الإطاري؟
لا مناص من العودة إلى الاتفاق الإطاري، فهو خارطة الطريق التي ارتضتها قوى الثورة من أجل الوصول إلى تحول ديمقراطي، وإلى تداول سلمي مستدام للسلطة. وقوى الثورة هي القوى الغالبة في المجتمع السوداني، وهذه هي إرادتها التي حاول فلول النظام المباد في الجيش المؤدلج وفي الحركة الإسلامية اعتراضها بالانقلابات، وبقمع المدنيين، وأخيراً بالحرب.
(*) على ذكر الجبهة المدنية واجتماعاتها التحضيرية من واقع مشاركتك فيها، هل سينجح الجهد في قيام تحالف قوى وله تأثير على المشهد؟
الاجتماع التحضيري الذي جرى في أديس أبابا هو ضربة البداية فقط، وسيعقبه لقاء موسع بعد أقل من شهرين، يتوقع أن يضم قرابة الألف شخص من قوى الثورة الحية، وأرجو أن يجمد الفاعلون السياسيون، وخاصة من أسموا أنفسهم بالجذريين، الخلافات السياسية، وينضموا لهذا الاجتماع الموسع، فالمعركة الآن بين أن تستمر الثورة، وأن تموت، وأن يبقى البلد موحداً، أو يتفكك. هزيمة نظام الاسلاميين تعني وحدة الصف في هذه المرحلة، ومن يقسم الصف الآن فأنه يخدم – قصد أو لم يقصد – أجندة الإسلاميين وحلفائهم في هزيمة الثورة.
(*) من المعلوم من تجربة التحالفات السياسية أن أمدها قصير، وسرعان ما تحدث خلافات وانقسامات، ماذا فعلت القوى المجتمعة لتلافي ذلك؟
اختلاف الرؤى لازمة من لوازم الديمقراطية، فالتحالف المطلوب الآن ليس تحالفاً في الحكم، وإنما للمناداة بوقف الحرب، ومواجهة الكارثة الإنسانية، ثم استعادة العملية السياسية المفضية إلى التحول الديمقراطي. المطلوب أن يعي السياسيون والقوى المدنية خارج الأحزاب السياسية من لجان مقاومة ومن نقابات مهنية ومن حركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني، طبيعة هذا الوضع الراهن وتحدياته. فالثورة أصلاً لا تقوم إلا بتحالف عريض من قوى مختلفة، تتوافق على أهداف إصلاحية عريضة تجري عبر فترة انتقالية، تمهد الارض للعراك السياسي السلمي.
أقبح صور الحرب هو موت الناس بأعداد مستفيضة، والنزوح الجماعي، والدمار الهائل