رأي

جمال الزين كباشي يكتب: “ردًا على الفلنقاي مناوي”

جمال الزين كباشي

تابعت تصريحات المدعو مناوي عقب وصول القافلة الإنسانية المقدمة من اليونسيف إلى شرق دارفور، والتي كانت تحمل مواد تغذية للأطفال حديثي الولادة، إذ قال مناوي: “إن منظمة اليونسيف قد استجابت للابتزاز الذي تعرضت له من قبل الدعم السريع”! وحتى نضع هذه القضية الإنسانية في مسارها الصحيح، دون تدخلات من الطامحين وعديمي الأخلاق الذين ظلوا يتسلقون الأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب ذاتية كما نعلم جميعا، وهذا الدور ظل يجيده الفلنقاي”مناوي” منذ ولوجه باب التكسب السياسي عبر اتفاق أبوجا عام 2006م.

إن قضية المساعدات الإنسانية هي القضية الأولى التي ظلت تؤرق الوجدان الوطني والإقليمي والدولي، وذلك لما عاناه الشعب السوداني من ويلات من هذه الحرب التي  أشعلها أشباه الرجال من الفلول  والطامحين أمثال مناوي. لقد بُذلت مساعي حثيثة هنا وهناك من بعض أبناء هذا الوطن الخلص، ودارت نقاشات خارجية وداخلية بضرورة الحوجة الماسة للمساعدات الإنسانية، وفتح المسارات الآمنة لها، والسماح لفرق الإغاثة للدخول إلى المناطق المتأثرة والأكثر ضررًا من الحرب. مع العلم أن السودان عامة يحتاج إلى مساعدات عاجلة نظرًا لحجم الضرر وتدمير البنية التحتية بواسطة طيران الجيش.

في 21/ نوفمبر من العام المنصرم، عُقد لقاء في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا برعاية منظمة “برومديشن”، جمع بين قيادات العمل المسلح في دارفور، وبعض الشخصيات الوطنية في الإقليم. تمحور النقاش حول أنجع السبل في كيفية توصيل الإغاثة إلى المتضررين  من الصراع،   والمسارات الإنسانية التي يجب  إدخال الإغاثة عبرها،   خاصة بعد  فشل “مسار بورتسودان” وتكشف للجميع بمن فيهم المانحون مستوى الفساد واستخدام مواد الإغاثة كسلاح لمعاقبة الضحايا، وبيعها في الأسواق بواسطة نفس الجوقة من أمثال الفلنقاي مناوي. وبعد نقاشات مستفيضة -دامت ثلاثة أيام- خلص البرنامج إلى ضرورة فتح مسارات جديدة  لتوصيل الإغاثة إلى دارفور، لا سيما النازحين واللاجئين والمهجرين، وذلك عبر اقتراح “مسارات جديدة”، وهي؛ مسار عبر تشاد أنجمينا أبشي، ثم أنجمينا آدري الجنينة زالنجي نيالا الضعين. ومسار آخر عبر أنجمينا- الطينة- الفاشر، ثم مسار “جنوب السودان” عبر أويل- بحر العرب- الضعين، ومنها الى بقية ولايات دارفور.

وكان ممثلا في هذا اللقاء عن حركة مناوي قائدها العام، جمعة حقار، وهو قائد القوة المشتركة في دارفور المنوط بها حماية الفواقل الإنسانية قبل انحياز الغالبية منهم إلى معسكر الفلول مؤخرًا. وأبدى جمعة حقار قدرًا من التفهم وأظنه أعقل من مناوي بكثير. حضر اللقاء أيضا، مجموعة من الفلنقايات أرسلوا من بورتسودان بصوت موحد، وعلى رأسهم شخصية تدعى “سلوى آدم بنية”، والتي لها ارتباط مباشر بالفريق كباشي والفلنقاي عقار.  كان رأي الفلنقايات واضحًا بضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر مطار بورتسودان فقط، وذلك لضمان إرضاء أسيادهم هنالك دون النظر لمعاناة أهلهم في مخيمات الذل الجماعي في الأصقاع.  وذلك على الرغم من الفساد، وسرقة المواد الإغاثية، وبيعها في السوق الأسود، وتهريبها إلى دول الجوار، وتخزين بعض الأدوية المنقذة للحياة وتركها للتلف وانتهاء صلاحيتها في المخازن دون الوصول إلى المرضى من ذوي الأمراض المستعصية. كل ذلك يحدث والثمن تكليف المدعو “سلوى” للقيام بمهام مفوض الشئون الإنسانية كمكافأة لها للعب دور “الفلنقاي”. وتمهيدًا لهذه الخطوة تم استتباع كل مفوضيات دارفور إلى كوستي للتحكم في الإغاثة والموافقة على فتح معبر عبر جنوب السودان- الرنك- كوستي.

كان ختام الورشة بحضور وفد من المجتمع الدولي وعلى رأسهم ممثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا واليابان، الذين أبدوا أسفهم لحال ضحايا الحرب، وأكدوا استعدادهم الكامل لدعم الجهود الإنسانية، وتقديم ما يلزم من مساعدة عاجلة، وذلك في حال اتفق شعب دارفور  على أي وجهة سيتم إدخال المساعدات الانسانية  عبرها خلاف بورتسودان.

كل هذه الشواهد تدحض هطرقات مناوي، الذي ظل يتحاشى حتى مجرد ذكر كلمة شرق دارفور في كل خطاباته، ناهيك عن قبول دخول مساعدات إنسانية عبرها. مع العلم أن شرق دارفور هي الولاية الوحيدة التي احتضنت كل هل دارفور، بل أهل السودان الذين فروا من مناطقهم بحثًا عن الأمان، وبالتالي تحملت العبء الأكبر في تقاسم الموارد الشحيحة مع النازحين والمتضررين من الحرب. وتاكيدًا على تصريحاته العدائية تجاه “شرق دارفور”، حاول مناوي جاهدًا زعزعة الاستقرار الاجتماعي الذي ظلت تنعم به طيلة هذه الحرب.  ففي مطلع أبريل الجاري، تم اعتراض عربة تحمل مدنيين، قادمة من مدينة الضعين إلى نيالا، في منطقة لبدو، وتم إنزال عدد اتنين من الشباب، وقتلهم ورميهم في قارعة الطريق من قبل قوة تتبع لمناوي، مكونة من عربتين تسللت إلى منطقة “لبدو” ولاذوا بالفرار بعد أن أمروا أهل القرية بالهروب الجماعي، خوفا من ردة فعل ذوي المغدور بهم.  وتسبب ذلك في نزوح جماعي لسكان القرية إلى “محلية ياسين”، مما فاقم الأوضاع الإنسانية ، والتي هي في الأساس بالغة السوء نتيجة لشح مواد الإعاشة، وعدم وجود أي مساعدات من قبل أي جهة.

نقولها بكل وضوح، لن نسمح لمناوي وأمثاله اطلاقا بأن يعودوا بنا إلى مربع الصراعات الاثنية خدمة لمصالحهم الذاتية. ونبشرك أننا سنسعى بكل ما أوتينا من قوة لإدخال المساعدات الإنسانية الى إقليم دارفور كافة دون تمييز، بشرط أن لا تضع يدك في مواد الإغاثة لخدمة مصالحك الضيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى