رأي

تريكو البشر يكتب: اتفاقية جدة.. مٓنْ نقض غزلها؟

وأنت تستمع لقادة الجيش ومن لف في فلكهم من معشر الفلول، يتحدثون بلسان قوي عن اتفاقية جدة ومدى تمسكهم بإنفاذ بنودها قبل التفكير في أي منبر جديد لمعالجة أزمة السودان، يتبادر إلى ذهنك أن اتفاقية جدة هي بقرتهم المقدسة، كانوا حريصين عليها من أول جلسة، لكن في الواقع لم يذهبوا إلى منبر جدة إلا بعد أن حفيت أقدام المبعوثين الدوليين بين العواصم الأجنبية والعاصمة البديلة بورتسودان، بهدف إقناع قادة الجيش بالحل السلمي لإنهاء الصراع في السودان. وبعد جهود كبيرة، ذهب وفد يمثل الجيش إلى جدة، ولكنه أثناء المباحثات ظل يقاطع الجلسات بسبب أو بدونه، ولولا حبل صبر الوساطة طويل لقنعوا من وفد الجيش، بينما وفد الدعم السريع التفاوضي في جدة هو الأكثر مرونة واستعداد لإيقاف الحرب.

بعد ولادة متعثرة، أنجبت جدة اتفاقية وقف قصير للنار بين الجيش وقوات الدعم السريع، قبل أن يرفضها الجيش لاحقاً بذرائع واهية. ولما اقترب موعد مباحثات جنيف، رجع قادة الجيش إلى الحديث عن اتفاقية جدة، ورفض أي منبر بديل، بل اشترطوا  الذهاب إلى جنيف بتنفيذ بنود اتفاقية جدة الموقعة من جميع الأطراف في 11 مايو 2023م. قادتني نفسي الأمارة إلى البحث لمراجعة نصوص  اتفاقية جدة، ولمن نسوا بنود نصوصها من القراء نعيدها مرة أخرى.

 تحدثت جدة في ديباجتها: “نحن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المشار إليهما أدناه بالطرفين:

وإذ نعيد تأكيدنا على الالتزام بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وإذ نجدد التأكيد على التزاماتنا السابقة بالمبادئ المنصوص عليها في إعلان جدة لحماية المدنيين في السودان، مع التأكيد على إدراك الطرفين أن الصراع يهدد الحياة المدنية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل”.

واشتملت جدة على (22) بنداً يحظر مخالفتها، من أهمها الامتناع عن الآتي:

جميع الانتهاكات وخروقات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، الهجمات والأعمال العدائية بما في ذلك هجمات القناصة، إطلاق النار على أي طائرة مدنية أو حاملة للعون الإنساني، التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللانسانية أو المهينة بما في ذلك العنف الجنسي، تجنيد الجنود أو تسجيلهم أو حشدهم، استهداف البنية التحتية المدنية أو المراكز السكنية، الحصول على أو تقوية الدفاعات أو إعادة الإمداد العسكري بما في ذلك من مصادر أجنبية.

فلنأخذ  عزيزي القارئ البندين الآخرين، ونرى مدى التزم قادة الجيش بهما. منذ لحظة توقيع جدة إلى يومنا هذا يكد قادة القوات المسلحة في التجييش بما يخالف اتفاقية جدة، بعمليات استنفار كبيرة وشبه  الزامية في مناطق سيطرة الجيش، إذ يبث أنشطتها تلفزيون السودان الرسمي. أما بالنسبة لحظر جدة للتسليح وتقوية الدفاعات، فهذا كسره نائب قائد الجيش ياسر العطا، حين تباهى -في أكثر من مرة-  بحصول الجيش على أسلحة نوعية من دول أجنبية في إشارة إلى روسيا، وطمئن مؤيديه بأن الأسلحة المستوردة من مصادر أجنبية، قادرة على إحداث فارق عملياتي. ورغم أنف اتفاقية جدة التي حثت على حماية المنشآت المدنية والمستشفيات، فقد دمر الجيش كبري شمبات، وكبري مكة بنيالا، وكبري الحلفايا، وحاول تدمير كبري جبل أولياء، كما قصف مستشفى شرق النيل، ويوم أمس دمر طيران الجيش كبري موروني الرابط بين زالنجي والجنينة دون مبررات واضحة سوى هطرقات الفلول بأن الكبري معبر للوقود.

يستغل الجيش وجنوده مساكن المواطنين في أحياء أم درمان القديمة، حتى اتهموا بانتهاكات جسيمة للنساء  مثل “الجنس مقابل الغذاء” كما أوردت صحيفة الغارديان البريطانية، كما قاموا بسرقات لجميع الممتلكات العامة والخاصة وعرضوها للبيع  في الأسواق. وفي نفس الوقت يتحدث قادة الجيش بحرقة عن المواطنين وإقامة جنود الدعم السريع في مساكنهم! ينطبق على هؤلاء المثل: “الشبكة ما بتضحك على الدادية”، والدادية هي شبكة منسوجة بدوائر أكبر من التي على الشبكة.

فيما يبدو تناسى البلابسة وقادتهم سخريتهم من اتفاقية جدة قبل أوان جنيف، مثل حديث مالك عقار: “تاني مافي جدة ولا جدادة”، ويمكن لعقار نفسه بعد توقيع اتفاق في جنيف بشهور أن يقول مرة أخرى “لا جنييف، ولا كييف، بل بس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى