تقارير وتحقيقات

مع استمرار محادثات جنيف: المدن السودانية تحت قصف الطيران الحربي (رصد وتحليل)

تقرير- الجماهير

شن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، تزامنًا مع رفضه الانخراط في محادثات جنيف لوقف إطلاق النار، والتي بدأت الأربعاء الماضي، هجمات عنيفة على العديد من المدن السودانية. نتج عنها، قتلى بين المدنيين، وتدمير منازل، وتخريب للبنية التحتية بما فيها الجسور، إضافة إلى استهداف الأسواق خصوصًا في ولاية الخرطوم.

نرصد في هذا التقرير، هجمات الطيران الحربي، منذ الأربعاء الماضي -موعد بدء محادثات وقف إطلاق النار-، وإلى الجمعة 17 أغسطس الجاري. ونلاحظ خلال هذه الفترة، أن الغارات الجوية استهدفت على الأقل خمس ولايات سودانية، من بينها الخرطوم والجزيرة والجنينة والفاشر ومناطق في سنار وغرب كردفان.

استهداف الغارات الجوية لمدن وقرى إقليم دارفور

بحسب وسائل إعلام محلية، قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، الجمعة، أحياء سكنية تقع غرب السوق الكبير بمنطقة «ماريقا» ريفي محلية المالحة بولاية شمال دارفور، كما استهدف «عين بساروا» شمال شرق المالحة. ولم يتثنى لنا التأكد من وقوع خسائر بشرية وسط المواطنين.

كذلك، استهدف طيران الجيش، الخميس، وحدة «مورني» بولاية غرب دارفور بخمس قذائف، بعضها لم ينفجر. وطالب سكان المنطقة، الخبراء المختصين، بالتعامل العاجل مع القذائف التي لم تنفجر لتفادي خطورتها على المجتمع.

وتركز القصف بشكل أساسي، قرب جسر «وادي باري» الرابط بين غرب دارفور، وبقية مدن الإقليم الأخرى. وكان الجسر قد تأثر بالفيضانات والسيول، وتوقفت حركة السير فيه قبل قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، الخميس الماضي.

وكانت قد أكدت مصادر لـ«صحيفة الجماهير»، أن الطريق الرئيسي الرابط بين ولايتي وسط وغرب دارفور جرفته المياه في منطقة «مورني»، وهو الطريق نفسه الذي استهدفه الطيران، وأصبحت ولاية غرب دارفور معزولة بالكامل عن باقي ولايات السودان.

وبحسب مقطع فيديو متداول، بثه أشخاص من مكان الحادث، أصيب مواطنين جراء قصف طيران الجيش السوداني لـ«مورني»، من بينهم أطفال، فيما لم تتم الإشارة إلى وقوع قتلى بين سكان المنطقة. وأثار القصف حالة من الهلع وسط المواطنين، حيث جرى بث مقطع فيديو لتحليق الطيران فوق أماكن مزدحمة بالمارة، يتسابقون ذعرًا للنجاة.

وشمل القصف الجوي، منطقة خالية من السكان والأهداف العسكرية، تقع شرق جبل عامر بولاية شمال دارفور، الجمعة، حيث سقطت أربعة براميل متفجرة، إحداهما على مزرعة.

ولاية الجزيرة: ميناء ود مدني البري ومنطقة بيكة

نُشر مقطع فيديو حديث، على وسائل التواصل الاجتماعي، الجمعة، يوضح اشتعال النيران في مبنى ميناء ود مدني البري، ما نتج عنه تدمير كامل للبنية التحتية للميناء المنشأ قبل عامين.

وقالت «منصة الجماهير المدنية»، إن الطيران التابع للقوات المسلحة قصف الميناء البري بالكامل، ولم تتم الإشارة إلى وقوع حالات قتلى أو جرحى بين المدنيين وقوات الدعم السريع التي تسيطر على عاصمة ولاية الجزيرة.

ووجد مواطنون مصرعهم، إثر قصف الطيران الحربي لمنطقة بيكة غرب مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، وتم تدمير العديد من المنازل، وذلك بحسب إفادة سكان من المدينة نفوا وجود أي أهداف عسكرية قرب منطقة سقوط القذائف.

وبثت قوات الدعم السريع، مقطع فيديو، الخميس، حوى إفادات مواطنين من منطقة بيكة، استنكروا ودانو فيها استهداف الطيران الحربي لمنازل المدنيين. وأكدوا أن القرية التي جرى قصفها، آمنة، وليس لديها علاقة لا بالجيش ولا الدعم السريع، كما طالبوا الجيش بالجنوح للسلام ووقف الحرب.

وأكد متحدث في مقطع الفيديو، أن العديد من سكان المنطقة، نزحوا بسبب هجمات الطيران على المنطقة.

 

وكشف أحد الذين تدمرت منازلهم، عن تضرر جميع أثاث المنزل بسبب الغارة الجوية، وأنه يواجه وأبنائه انعدام المفروشات وأواني الطبخ. ومثله مثل العديد من السودانيين، ممن خبروا معاناة الحرب، قال مشددًا: “نريد أمن وسلام”، في إشارة لأهمية الوقف العاجل للحرب.

ولاية الخرطوم: السوق المركزي

الخميس الماضي، شن الطيران الحربي غارات جوية على السوق المركزي بولاية الخرطوم، وهو أحد أهم الأسواق في المدينة المدمرة بفعل الحرب، ويعتبر مركزًا للحركة التجارية، ونقطة أساسية في خطوط المواصلات العامة وحركة المواطنين داخل العاصمة.

ونشرت سودان تربيون، أن الطائرات الحربية والمسيرة التابعة للجيش السوداني كثفت، الخميس الماضي، طلعاتها الجوية مستهدفة مواقع يُعتقد أنها تأوي قوات الدعم السريع جنوب العاصمة الخرطوم.

وعلى الرغم من تواجد عناصر قوات الدعم السريع في منطقة السوق المركزي، إلا أنه مكتظ بالمدنيين كذلك، حيث يعمل بعضهم في التجارة، والآخرين تأتي بهم الحاجة للتنقل وشراء الأغراض الأساسية. وبحسب شاهد عيان -فضّل حجب هويته-، فإن قصف الطيران نتج عنه مقتل عناصر من الدعم السريع، وعشرات من المدنيين من بينهم نساء وأطفال، كما جرى تدمير مركبات عسكرية ومدنية.

وبدورها، أفادت سودان اندبندنت، بأن اثنان على الأقل من المدنيين وجدوا مصرعهم في محيط السوق المركزي إثر الغارات الجوية.

وبحسب بيان لقوات الدعم السريع، الجمعة، فإن الطيران الحربي، شن أمس الخميس، غارات جوية مكثفة، شملت مدن: “الكومة وكبكابية، الفاشر، بابنوسة، الخرطوم، والجنينة ومورني”. كما أعلنت أن القصف الجوي استهدف، الجمعة،  مناطق “أم بنين وبيكا وكركوج” بسنار.

آثار قصف الطيران على مناطق في شمال دارفور

عدم اكتراث للجهود الدولية

عشية قصف السوق المركزي بالخرطوم، قالت قوات الدعم السريع، في بيان، على صفحتها بمنصة إكس، إن “عصابة البرهان إمعاناً في عدم الاكتراث للجهود الدولية والإقليمية المبذولة لإنهاء معاناة السودانيين، واصلت جرائمها الشنيعة بحق المدنيين والأبرياء العزل”، في إشارة لقصف طيران الجيش للسوق المركزي. 

ودان بيان قوات الدعم السريع، ما اسماه بـ”الأفعال غير الإنسانية بحق المدنيين الأبرياء”؛ داعيًا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والمهتمين بالشأن الإنساني، بإدانة هذا السلوك البربري من قادة القوات المسلحة وتعمدهم مواصلة قصف الأحياء المأهولة بالسكان منذ إشعالهم الحرب في 15 أبريل 2023.

وجاء في بيان ثان للدعم السريع، الجمعة، أن القصف الجوي على المدن السكنية قد أحدث مئات الضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، إلى جانب وقوع إصابات -تجري عمليات  حصرها-، إضافة إلى تدمير عدد من المنازل والمرافق العامة، في خطوة وصفها البيان بأنها “لا تنفصل عن سيناريو الأرض المحروقة حيث يتعمد الطيران الحربي ضرب البنى التحتية وترويع الأبرياء بإسقاط البراميل المتفجرة وإطلاق الصواريخ عشوائياً وفي مناطق مدنية لا وجود فيها لقواتنا”.

وقالت لجان المقاومة السودانية، في بيان، الجمعة، إن الطيران العسكري للجيش السوداني، ظل يقصف براميله المتفجرة في أماكن مأهولة ومكتظة بالسكان المدنيين ومع سبق الإصرار والترصد، ما يؤكد أن الاستهداف ممنهج.

ودان البيان، ما وصفه بـ”السلوك الإجرامي الغاشم” للقوات المسلحة ضد الشعب ومقدراته، وناشد المنظمات الحقوقية بالتدخل الفورى لوقف العبث الذي تمارسه “المليشيات الارهابية لتنظيم الإخوان المسلمين المختطف للجيش والمتحالفين معه داخليا وخارجيا”.

محاولة يائسة لتحقيق تقدم عسكري

إبراهيم موسى زريبة
إبراهيم زريبة كبير مفاوضي اتفاق جوبا

ومن جانبه، قال خبير فض النزاعات، وكبير مفاوضي اتفاق جوبا، إبراهيم زريبة، لصحيفة الجماهير، إن الهدف من تكثيف الطلعات الجوية هذه الأيام هو “محاولة الجيش المستميتة لإحراز أي تقدم عسكري في أي محور من المحاور، يحفظ به ماء الوجه عند الجلوس في طاولة المفاوضات، لأنه ومنذ انطلاق الحرب، ظل الجيش على الدوام يتعرض للهزائم المتكررة”.

وأوضح “زريبة” أن الأعراف التفاوضية البديهية تقول بأن الطرف الأقوى والطرف المنتصر هو الذي يملي شروطه في الاتفاقيات، مشيرًا إلى التقدم الميداني لقوات الدعم السريع على الجيش.

وبحسب رأيه، اُستخدام سلاح الطيران بواسطة الجيش بشكل غير إنساني وانتقائي، حيث قام باستهداف المجتمعات المدنية الآمنة المتهمة بكونها حواطن للدعم السريع، وذلك بغرض خلق ضغوط على الدعم السريع تدفعه لتقديم تنازلات في التفاوض.

وأكد “زريبة” أن الطيران الحربي ظل يستهدف باستمرار مناطق بعينها في دارفور مثل: “نيالا، الضعين، الكومة، مليط، كبكابية، أم سيالة، كتم”، وعدة مناطق أخرى تقطنها مجتمعات مدنية لا علاقة لها بالحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى