تقارير وتحقيقات

«انتصارات دبلوماسية»: هل اكتسبت قوات الدعم السريع شرعية في نظر المجتمع الدولي؟

تقرير- الجماهير

دبلوماسية الحرب:

تعتبر الدبلوماسية أحد أهم أدوات الصراع على المصالح في العالم، ويقاس نجاح دبلوماسيات الدولة، بمقدار ما تحققه من مصالح لمواطنيها، هذا من ناحية، وبمقدار ما تجنبه من خسائر محتملة لمواطنيها من ناحية أخرى. لكن، وفي حالات مثل الحرب، التي تعتبر حالة فشل للجهود الدبلوماسية، فإن نجاح دبلوماسية أحد طرفي الصراع، يقاس بقدرته على ترجمة الانتصارات العسكرية إلى نتائج سياسية ملموسة، أو التقليل من النتائج السياسية للهزائم العسكرية.

في سياق ذلك، يرى عدد من المراقبين، أن دبلوماسية قوات الدعم السريع، قد أحرزت تقدمًا وتطورًا ملحوظًا منذ بداية الحرب، وأنها أصبحت قادرة على ترجمة الانتصارات العسكرية لقواتهم في الميدان، إلى نتائج سياسية ملموسة، هذا في حين أن دبلوماسية الجيش السوداني تفتقر إلى الانتصارات العسكرية، وإلى الرؤية الواضحة.

ويأتي الجدل عن النجاحات الدبلوماسية لأطراف الصراع في السودان، عقب مرور أسبوع على نهاية المباحثات الدولية التي دعت لها الولايات المتحدة عددًا من الهيئات الدولية، مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وعددًا من دول جوار السودان، مثل مصر والسعودية والإمارات، والتي أقيمت بسويسرا في الفترة ما بين 14-24 أغسطس الجاري. والتي نتج عنها اتفاقات تفاهم بين المجتمع الدولي وقوات الدعم السريع التي لبت الدعوة الأمريكية، هذا في حين، رفض الجيش السوداني قبول الدعوة الأمريكية للتفاوض.

وفد الدعم السريع يلتقي المدير الإقليمي للصليب الأحمر عقب مفاوضات جنيف

انتصارات دبلوماسية الدعم السريع بجنيف:

كان العميد عمر حمدان، رئيس وفد قوات الدعم السريع التفاوضي، قد أكد عقب انتهاء مباحثات جنيف الأسبوع الماضي، لصحيفة الشرق الأوسط، على أن “المفاوضات لم تلبِّ كل الطموحات، لكنها في الوقت نفسه كانت خطوة كبيرة للأمام، من خلالها أصبح المجتمع الدولي أكثر اتحاداً وجدية في إنهاء الحرب في السودان”.

وأوضح حمدان للشرق الأوسط، “لم تحقق المحادثات هدفها الرئيسي وهو وقف العدائيات، وهي القضية الرئيسية التي كان ينتظرها الشعب السوداني، بسبب تمترس ورفض قادة الجيش المختطفين من قبل الإسلاميين الذين لم يمكنونا من إنجاز الاتفاق بآلية مراقبة فعالة”. 

رئيس وفد التفاوض بقوات الدعم السريع العميد عمر حمدان

وأضاف: “أجرينا في جنيف مناقشات مفيدة مع الوسطاء والمنظمات الأممية في شأن إيصال المساعدات وحماية المدنيين، على الأقل في مناطق سيطرتنا من خلال قوة حماية المدنيين (تم تشكيلها أخيراً) وسيصدر قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو توجيهات استثنائية صارمة بعدم التعرض للمدنيين”.

وبدوره، يرى الأمين العام للقوى المدنية المتحدة وكبير مفاوضي اتفاق جوبا للسلام، إبراهيم زريبة، في حديثه لـ«صحيفة الجماهير»، أن التفوق الدبلوماسي للدعم السريع بدأ واضحًا منذ بداية هذه الحرب، وقد وصل قمته “في فبراير 2024م، عندما استجاب قائد قوات الدعم السريع لنداء الأسرة الدولة، وحضوره قمة الإيقاد في كمبالا، إضافة إلى توقيعه على ميثاق مع كتلة (تقدم) ملزما إياه بالعملية السلمية، فضلا عن تكراره لنداء السلام”.‬

الحركة الإسلامية وفشل دبلوماسية الجيش:

أيضا، وضمن الجدل حول الانتصارات الدبلوماسية الأخيرة لقوات الدعم السريع بجنيف، يرى عدد من المراقبين، أن تحذيرات المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو، الخميس الماضي، من توسع رقعة الحرب في السودان لتشمل ”الجيران الإقليميين“، هي اعتراف أمريكي بسردية الدعم السريع حول الحرب، والتي تقول إن الحركة الإسلامية تهيمن على الجيش وتعرقل جهود السلام.

جانب من الجلسات التي جرت في جنيف (الشرق الأوسط)

ويرى “زريبة”، أن الجانب الأمريكي أصبح يعي صحة ادعاءات قوات الدعم السريع حول دور الحركة الإسلامية في عرقلة جهود السلام، ويستدل على ذلك بأن المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيرييلو، كان قد أكد عن أن “هناك لاعبون سلبيون في الداخل يحتاجون إلى استمرار هذه الحرب”. 

وكان بيرييلو قد كشف في ذات السياق عن هوية هؤلاء اللاعبين السلبيين صراحةً، بعد أن كان يتحدث عنهم دون أن يسميهم، حيث قال: “لقد رأينا بعض القوى السياسية، مثل المسؤولين من النظام السابق، ومن حزب المؤتمر الوطني الذين يعرفون أنهم لا يملكون دعم الشعب، لذا يحتاجون إلى الحرب للاستمرار في محاولة تأمين السلطة الحكومية أو السياسية”.

وفي سياق حديثه عن دور كل من المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية في عرقلة جهود السلام، أوضح بيرييلو، “أعتقد أنهم ربما كانوا يقومون بالكثير من الأعمال السلبية، بهدف تقويض البرهان والمجلس السيادي”، مضيفًا: “هناك من يحقق أرباحًا من الحرب، وهم يحتاجون إلى استمرارها لتحقيق الربح منها”.

وشدد المبعوث الأمريكي على أن ‏”هؤلاء اللاعبون السلبيون يجعلون من المرجح أن تصبح هذه الحرب مصدرًا لعدم الاستقرار الإقليمي”، وأشار إلى بعض اللاعبين الخارجيين السلبيين الذين سيمثلون تهديدًا طويل الأمد للمدنيين في المنطقة”.

تعنت الجيش، أحد أسباب فشل دبلوماسيته: 

ويحاجج “زريبة” في سياق حديثه لـ«صحيفة الجماهير»، بأن نجاحات دبلوماسية قوات الدعم السريع، كانت بسبب تعنت الجيش وتركيزه على خيار الحسم العسكري الذي يصر عليه الإسلاميين، وهو الأمر الذي “وضع القيادة العليا للقوات المسلحة وحكومتها في بورتسودان في مواجهة مع الأسرة الدولية”، على حد قوله. 

إبراهيم موسى زريبة
الأمين العام للقوى المدنية المتحدة وكبير مفاوضي اتفاق جوبا إبراهيم زريبة

ويوضح “زريبة” مستدلًا: “إضافة لرفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بحكومة 25 أكتوبر 2021م، أعلن البرهان تجميد عضويته في الإيقاد، وها هو اليوم يرفض الذهاب إلى جنيف”، ووفقًا لرأيه؛ فإن هذا الرفض وهذا التمنع لا يسانده وضع ميداني جيد، ويضع البرهان في مواجهة مع الأسرة الدولية وفي مساءلة مع الشعب السوداني.‬

جدية قوات الدعم السريع في إنهاء الحرب أحد أهم عوامل انتصارات دبلوماسيتها:

ومن جانبه، يرى الباحث السياسي، على عثمان جاد الله، أن  النجاحات الدبلوماسية لقوات الدعم السريع، تكللت بالاتفاقيات والإشادات التي تلقتها من قبل المجتمع الدولي، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية، قد أعلنت في بيان، الثلاثاء الماضي، عن ترحيبها باستئناف إيصال المساعدات الإنسانية، عبر معبر أدري الحدودي الرابط بين تشاد والسودان، وأيضًا، ترحيبها بالجهود الدبلوماسية المتعلقة باستمرار عمليات إيصال المساعدات الطارئة إلى الأجزاء المنكوبة بالمجاعة في دارفور عبر طريق الدبة -بورتسودان.

وكانت الولايات المتحدة قد عزت في بيانها، هذا التقدم الملحوظ في إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين؛ إلى الجهود التي بُذلت في محادثات جنيف، التي جرت مع قوات الدعم السريع هذا الشهر في سويسرا، مع مجموعة التحالف من أجل تعزيز إنقاذ الحياة والسلام في السودان (ALPS)، والتي ضمت هيئات دولية، ودول إقليمية من بينها مصر والإمارات، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا.

وهذا وقد أعلنت الولايات المتحدة أيضًا، عن ترحيبها بالالتزامات التي تعهدت بها قيادة قوات الدعم السريع للشركاء الدوليين في محادثات جنيف بسويسرا هذا الشهر؛ خاصة التزامها بمدونة سلوك لمقاتليها تستند إلى القانون الدولي الإنساني، والالتزامات التي تم التعهد بها في إعلان جدة. ورحبت كذلك، بتأكيد قوات الدعم السريع على التزامها بتأمين إيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل إجراءات تسريع وصول طارئ للغذاء والدواء للمحتاجين. 

وفد التفاوض يقوات الدعم السريع يلتقي وفد المملكة العربية السعودية في جنيف قبل انتهاء المحادثات

عوامل أخرى ساهمت في انتصارات الدعم السريع الدبلوماسية:

ويعزو كبير مفاوضي اتفاق جوبا، الإشادة الأمريكية بتعاون قوات الدعم السريع مع المجتمع الدولي، فيما يتعلق بإنهاء الحرب وحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية؛ إلى أن دبلوماسية الدعم السريع تعمل بجدية من أجل إنهاء الحرب، ويقول في ذلك “يحمد لدبلوماسية قوات الدعم السريع، الاستجابة الغير مشروطة بإرسال وفدها التفاوضي إلى جنيف، وقبول الدعوة الأمريكية”.

ويؤكد “زريبة” أن قبول الدعم السريع لكل مبادرات السلام التي طرحتها الأطراف الدولية والمحلية،  يعكس جدية قيادتها في وقف الحرب، وهو الأمر الذي حقق “مكاسب عظيمة للدعم السريع في كل هذه الجولات، فبالإضافة إلى الاعتراف الدولي به كطرف مسيطر علي رقعة واسعة من جغرافيا السودان، أصبح الآن جهة شرعية في نظر المجتمع الدولي عبر الاتفاقيات التي وقعها مع عدد من الجهات الدولية، والتي تخوله  إدخال العون الإنساني للمواطنين المدنيين في أماكن سيطرته”.

جانب من الجلسة الافتتاحية لمفاوضات جنيف (الأسبوع الثاني من أغسطس الجاري)

وأشار “زريبة” إلى أن هذه الاستجابة والتعاون مع الأسرة الدولية من قبل قوات الدعم السريع، تنسف كل محاولات قيادة الجيش التي حاولت مرارًا وتكرارًا عزل الدعم السريع عن الأسرة الدولية وتصنيفه كمنظمة إرهابية. وتوقع أن تتحسن صورة الدعم السريع ومكانته بتعاونه واستجابته للوضع الإنساني في السوداني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى