رأي

تريكو البشر يكتب: الميز القداسي بين رئيسي حزب الأمة اللواء والإمام (3)

كان السيد الصادق المهدي عليه الرحمة، يقول المثل : الشبكة ما بتضحك على الدادية ، ويتطابق هذا المثل مع الآخر القائل، الجمل ما بعرف عوجة رقبته؛ انتقدت بنتا السيد الصادق المهدي، ولعلني أحبذ لقب السيد في مخاطبته بدلاً عن الإمام، لأن الأولى تعد من التقاليد الاجتماعية التي يجب المحافظة عليها عند أهلي، أما الإمامة فهي اختيار بإجماع كامل من جماهير الأنصار وهذا لم يحدث في حالة إمامة الصادق المهدي التي يرفضها حتى سادات من آل المهدي مثل السيد احمد المهدي والسيد ولي الدين الهادي وآخرين؛ انتقدتا اللواء برمة ناصر نظرا لأنه خالف الخط العام للحزب بتوقيعه على ميثاق نيروبي. وتحت تأثير نقدهن هذا تداعى جماعة من الموالين للجيش وحكومة بورتسودان في حزب الأمة القومي لاجتماع لعزل اللواء من رئاسة الحزب وتكليف مولانا محمد عبدالله الدومة، سبحان الله رئيس الأمة السيد الصادق ظل طوال سنين رئاسته يحمله في جيبه أينما ذهب. ونشير إلى أنه تحت ستار من السرية، دون علم أحد من زملائه في الجبهة المعارضة في السبعينات، التقى الصادق المهدي بقائد الانقلاب جعفر نميري في بورتسودان، ولما انكشف أمره برر موقفه بأن ما قام به كان عبارة عن جس نبض ! حيث أنكر مناقشة أي قضايا تهم الوطن، في حين تحدث المرحوم الصادق مع المرحوم نميري ، عن تعويضات آل المهدي بالفعل دفع نميري نقودا لا تحصَ، ولا تحمل إلا في صُرر على أكياس، إن لم نكن جوالات ، قبل أن يؤدي الزعيم قسم الولاء للحزب الأوحد الذي تنص مادته الرابعة ( الاتحاد الاشتراكي السوداني هو التنظيم السياسي الوحيد في جمهورية السودان الديمقراطية ويقوم على تحالف قوى الشعب العاملة) ولاحظوا معي هنا التناقض، حيث أن ديمقراطية جمهورية السودان الديمقراطية توجد وفي ظل وجود حزب واحد. ولعل التناقض يكمن في أنه لا توجد ديمقراطية في العالم من غير تعددية حزبية، يتم استنادا إلى تبادل السلطة سلمياً. ونشير هنا إلى أنه وبالرغم من ذلك وافق الزعيم الديمقراطي على حل حزب الأمة تلقائياً بأداء قسم الاتحاد الاشتراكي دون أن يقول أحد من الحزب : بنت السلطان عزبة.

جدير بالذكر، أن السيد الصادق رئيس حزب الأمة كان جليسا للبشير طوال عهد الإنقاذ القريب، بل ومدافعا شرسا عنه، حيث قال عنه في دنقلا إبان ازمة الجنائية: “البشير جلدنا وما بنرضى جلدنا ينجر فيهو الشوك” وهذه الجملة أرهقت الزعيم الألمعي لكي يبررها في وقت لاحق، حيث قال بحسرة في جلسة أنا من بين حاضريها، “ربما يكون البشير آخر رئيس عربي” وبالطبع إن الإمام لن يرضى إن آلت الولاية الكبرى في السودان لعربي بقاري أو أبالي من غرب السودان. لذا لا تستغرب عزيزي القارئ من النزعة العروبية لمثقفي السودان فالإم المنحدر من أصول عجمية، يسير على خطى الشاعر العجمي محي الدين صابر الذي كانت كل أشعاره تمجيدا للعرب، وأيضا قريبه الشاعر خضر حمد صاحب قصيدة “أمة أصلها للعرب ودينها خير دين يحب” والذي كان أيضاً رطانيا.

أشير أيضا إلى أن الحديث مع البشير كان أيضا يدور حول التعويضات، ولكن هذه المرة للحزب وليس لآل المهدي لأن الأخيرة تمنح ورثة آخرين استحقاقا مبالغا فيه. يقول الإمام “قبضنا من الحكومة قروش مقابل إيجار الدار” وكانت دار الحزب في أم درمان مصادرة منذ أول يوم لانقلاب الإنقاذ ولمدة عشر سنوات. ومن كثرة ما يقول السيد الصادق، ينسى دائما بعض تصريحاته ليقع في تناقض قاتل، يدخله ضمن الكذابين.

على ذكر الدار هذه، قال السيد الصادق لنا ذات مرة، “إن الدار هذه تم شراءها من أبي العلا بستة الف جنيه عن طريق تبرعات تجار الحزب وعضويته ومساهمة منه ، ليبلغ عدد القروش فقط أربعة ألف جنيه، وأنهم فكروا يعتذروا عن البيعة ولكن كرم أبي العلا كان فياضاً إذ تنازل عن المبلغ المتبقي، وعند تغيير ملكية المبنى رفض قادة الحزب، الذين سمى منهم عمر نور الدائم ودكتور ٱدم مادبو وبكري عديل، رفضوا تسجيل العقار باسم الحزب، مبررين ذلك بأنه وفي حال وقع انقلاب فإنه ستتم مصادرة الأرض” وتباع، “إنهم فكروا في حيلة تنجي الأرض من البيان الأول، وكانت هي تسجيل القطعة باسم الصادق المهدي لتكون ملك خاص وهو في نفس الوقت مكان ثقة”. أذكر أيضا أن نف الزعيم قد قال لنا في أيام خلافات حزب الأمة، إنه كان يدفع من جيبه منصرفات الحزب وأن الدار التي يقيم الحزب عليها منذ أربعين سنة هي بيته. لاحقاً سمعت بأن دار الحزب تم تحويلها ملكيتها إلى عبدالرحمن الصادق عن طريق الهبة من الوالد .

طالع الطلاب الأنصار في الصحف ذات يوم خبراً فحواه انضمام أبناء الصادق(عبدالرحمن وبشرى ) إلى جهاز الأمن قال الطلاب كضباً. بعد انتشار الخبر قال السيد الصادق معلقاً ومؤكداً أبنائي سودانيين، يحق لهم العمل في العسكرية وهم مؤهلين بحكم تخرجهم من الكلية الهاشمية في الأردن ، حسب الأتفاق أي -مع الإنقاذ- المفروض يتم استيعابهما في الجيش ولكن وقع خطأ يجب أن يصحح. عندما قرأ ذلك التصريح الحبيب هاشم الحاج وهو رئيس الحزب في جامعة أمدرمان الاسلامية ، على لسان الصادق المهدي ،سقط مغمى عليه من هول المفاجأة.

مثل النار في الهشيم انتشر خبر استلام الصادق المهدي مبالغ ضخمة من الحكومة ،بين مكذب ومصدق حتى خرج السيد الصادق من شاشة تلفزيون الخرطوم يرد على المذيع المبالغ في كمية المبالغ قال الصادق استلمنا أربعة مليار وليس ثمانية كما تقول وإن هذه كلها حولنا لعبدالرحمن ابني ليصرفها على جيش الأمة كمستحقات من فترة قتالهم في جبهة الشرق ضمن قوات التحالف ، لأن الموية بتكضب الغطاس بعد اسبوعين أغلق جنود وعناصر جيش دار الحزب احتجاجاً على عدم وصول مليم الى جيوبهم .

كل قطاعات الحزب متفق مع الشارع العام في السودان على اسقاط حكومة البشير ، إذ تخرج عضوية الحزب تلبية لمنادى المواكب الجماهيرية ،كان الإمام خارج السودان لحظتها ، ولما قدم الزعيم هرع إلى استقباله جماهير غفيرةمن كيان الأنصار وحزب الأمة وتضامن معهم جماهير الأحزاب لاعتبارات يمكن يكون لقاء السيد الصادق الضربة القاضية ولكن الإمام خذلهم وخذلنا نحن المتكورين حول التلفاز من أقاصي السودان الغربية .
بدلاً من يتناول أبوكلام قضايا السودان مثل الضائقة المعيشية ،أزمة السيولة ، وإشعال جذوة النضال في الشباب الثائر لكي يخلص الشعب من الجبروت ،تحدث الإمام عن التهديد البيئي الناتج عن خرم الأوزون على سكان الأرض، عندما قاطعته هتافات الثورة يسقط بس ،يسقط بس ، قال ساخراً من الثورة بقول سارت به الركبان دي ما ثورة ، دي بوخة مرقة أو علوق شدة – بوخة المرقة – عند المتزوجات هي جلوس على حفرة دخان الطلح على عجالة عكس بوخة الخميس !!!

يعجبك شباب الثورة اتخذوا السيد الصادق مصدر هزء وسخرية متداولين على مواقع التواصل الاجتماعي صورة له وبين أبطيه أدوات الدخان من فراش وغيره. لما الثورة نجحت بإقامة اعتصام مليوني أمام القيادة العامة للجيش ، تناسى البوخة ومرقتها ، كالعادة تستهوي رئيس الحزب التجمعات الجماهيرية ويموت فيها ،حتى قال الشريف الهندي بأن الصادق لو شاف جنازة يتبعها جمهور كبير لتمنى أن يكون هو المييت .

ولع الأمام بالحشود دفعه إلى اعلان إمامة أول صلاة جمعة في الاعتصام دون اخطار المعتصمين ولجانهم التنسيقية ، رفض المعتصمون امامته مستعضين عنه بالشيخ مهران ماهر. ثورة ديسمبر العظيمة التي أسقطت حكم دار عقود يسخر منها رئيس ديمقراطي ولا واحد من اتباعه يجرؤ على انتقاده اذن لم نكن غلطانين لما ذكرنا الميز القداسي بين الرئيسين اللواء والإمام…..

نواصل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى