“غموض في معارك الخرطوم”، هو العنوان الأبرز والأحدث في صراع السودان خلال الأيام القليلة الماضية، وكان هذا هو كل ما ظفر به دواعش الحركة الإسلامية من انتصار حتى هذه اللحظة، على الرغم من كل “الغبار” الذي أثاروه عن دخولهم لقصر غردون، وانتهاء الحرب في السودان بانتصارهم المزعوم.
ويقع في دائرة هذا الغموض الذي وصفت به معارك الخرطوم الأخيرة عدد من الهزائم التي مني بها الدواعش، قُتل فيها العشرات من كتائب الإخوان، كان آخرها معركة “محور المهندسين”، والتي هلك فيها العشرات من قتلة الحركة الإسلامية المأجورين، فيما لم تتوقف غرفهم الإعلامية عن الحديث عن ترتيبات ما بعد الحرب إمعاناً في التعمية والخداع، ودون ملل.
قال أحد ضباط “الجيش الشعبي لتحرير السودان” في تسعينات القرن الماضي، أنه وحينما كان ضمن لواء “السودان الجديد” – الذي تولي عبء قتال الدواعش في نسختهم الإنقاذية عبر جبهة الشرق – قال أنهم وبعد أن حرروا منطقة صغيرة في شرق السودان تسمى “رساي” من قبضة جيش المخلوع البشير، تركها الجيش المسيس لهم، وقام الإخوان بتسمية قرية أخرى غير بعيدة كانوا يقيمون فيها معسكرهم بـ”رساي”! وهكذا حرروها “دون إطلاق طلقة واحدة”! ما أشعر هذا الضابط بالحيرة، ودفعه لترديد القصة في كل مرة، أملاً في أن يفهم طبيعة هؤلاء القتلة، وقدرتهم الخرافية على التعايش مع الكذب البواح، ولو كان الواحد فيهم يعلم عن تأكد ويقين إنه “إنما يكذب على نفسه”. وعن كذب إخوان الشياطين حدث ولا حرج.
وعلى ذات المنوال تحاول غرف الحركة الإسلامية اليوم إيهام السودانيين والخارج بانتصارات كذوب، متجاهلة سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة “المالحة” الاستراتيجية، على الرغم من أنها أكبر معاقل حركات دارفور الحليفة لها، وأن استيلاء الدعم عليها يفتح الطريق أمامه نحو ولايات الشمال، ويشكل قاصمة ظهر لحليفها. والسبب بسيط، وهو أن الحركة الإسلامية وبعد عامين من الحرب وقفت فيها على هزيمة مخططها، قنعت من الغنيمة بالتسلط على رقاب السودانيين في ست ولايات فقط في الشرق والشمال، تعينها مصر على حمايتها، مقابل عقد إذعان، يكون فيه ما في باطن أرض السودان وظاهرها شراكة بين التنظيم الإرهابي والحكومة المصرية في عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، ورضي الإخوان بالقليل الذي يقل كل يوم، تحت ضغط المستعمر “القديم – الجديد” في الشمال، والذي ترزح الحركة الإسلامية تحت ثقل حذائه العسكري منذ بدء الحرب ومنذ ما قبلها، حين وصل انحطاط الحركة الإسلامية أن وفرت “طابعة نقود” للحكومة المصرية، متطابقة مع تلك الموجودة في السودان، بل وتم شراء الطابعتين معاً، وعن طريق وسيط “مصري”! وعن دناءة إخوان الشياطين وخستهم حدث أيضاً، ولا حرج.
والسبب الآخر الذي قلص من طموحات الحركة الإسلامية لحد استجدائها سلطة منقوصة في الشرق والشمال تحت التاج المصري، هو انعقاد مؤتمر السودان التأسيسي بنيروبي، الذي أدركت الحركة بعده اتساع الشقة بينها وبين السودانيين في معظم مناطق جنوب وغرب البلاد، كونها حصدت ما غرست في نفوسهم من ضغائن. فعلى سبيل المثال كانت غرف الحركة الإسلامية الإعلامية في الأيام الأولى للحرب تتحدث عن ضرورة قصف مدينة “الضعين” التي لم تصلها الحرب من الأساس بينما المعارك تدور في الخرطوم! وكانت العاصمة تتصدر عناوين الأخبار باعتبارها ساحة المعركة، لكن استمرت غرف الإخوان الإعلامية في التحريض والدعوة لقصف المدينة وغيرها من مدن كردفان ودارفور، في شهية مفتوحة – على مدار الساعة – للانتقام من مواطنين صنفوهم هكذا – ضربة لازب – باعتبارهم حواضن للدعم السريع، واباحوا لأنفسهم التعامل مع أطفالهم حديثي الولادة ونسائهم وشيوخهم كمقاتلين أعداء، يجب تصفيتهم.
لم تتوقف براميل الحركة الإسلامية المتفجرة عن قصف تلك المدن، على الرغم من بعدها عن خطوط المواجهة وأماكن الصراع، وتكفل سلاح طيران الجيش الذي يستهدف المواطنين – على وجه التحديد وعن سابق قصد وتعمد – بإحداث القطيعة الكاملة بين صبية علي كرتي، وجموع السودانيين في الغرب والجنوب.
إن مشروع الحركة الإسلامية للسيطرة على كامل أراضي البلاد بالقوة الجبرية قد فشل، وها هم يلجأون لآخر خياراتهم، على أمل أن تتاح لهم فرصة نهب موارد البلاد مرة أخرى واستعباد السودانيين ولو من تحت حذاء عسكري مصري، ما يضع مهمتهم في أعلى قائمة المستحيلات في مواجهة شعب “الجبارين” وأشاوسه الأبطال. النصر معقود بلواء شعبنا، والخزي والعار والهزيمة لشياطين علي كرتي وقتلة الحركة الإسلامية وإن طال السفر.