رأي

إبراهيم مطر يكتب: من دفاتر حرب التحرير: معركة الحدود وسحق متحرك الصياد

(هذه الخرطوم ُما خلقت ْلأفغان العربْ/ وما دهنتْ لتجاّر المنابرِ/ ما زهت ْبجلافة الوعّاظِ/ ما سئلتْ وما قتلتْ/ وما بسطتْ لتكديسِ السلاحِ/ وما أُضيئت للذقونِ وللظنونِ وللمتونِ).
والكلمات للشاعر “أسامة الخواض” من قصيدة شهيرة بعنوان “هاجس المشّـــاء” أو “شجر الأسلاف يتنزّه في ظهيرة الروح” أو “في ضرورة الحرب”، وربما نظر الشاعر لكل عنوان من عناوين القصيدة الثلاث فلم يجد عنه غنىً ولا مناص، لكن لعل عنوانه “في ضرورة الحرب”، هو الأقرب للقصيدة، كونها أشبه بنبوءة شاعر رأى شجراً يسير، وقبل سنوات من حرب السودان الحالية، فصارت قصيدته مميزة بتلك الهالة التي عادة ما تحيط بصادق التكهن والنبوءات.

وعلى ذكر الخرطوم التي قرر الشاعر إنها ما خلقت لأفغان العرب – في إشارة إلى شذاذ الآفاق من الجماعات الدينية المتطرفة – فقد دخل الإيرانيون والأوكرانيون والاتراك والمصريون أذناب الانجليز للخرطوم، وها هم يصدرون التعليمات من داخل قاعدة “وادي سيدهم” العسكرية، ويرسلون الطائرات التي تقذف الحمم على المدنيين، وآخرها السلاح الكيميائي الذي تفاخروا به قبل أن ينكروه في جبن معهود عند أخوان الشياطين القتلة، يتخذون “الخسة” إلهاً في حربهم وسلمهم. أخزاهم الله وأحرق حرثهم ونسلهم.

ومن دفاتر حرب التحرير الجديدة أن صارت المعركة إلى ما يشبه “معركة حدود” مع دول الجوار، وبنظرة واقعية بسيطة تجد أن قوات تحالف السودان التأسيسي باتت تسيطر على عدد من المنافذ الحدودية مع دول الجوار منها تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، وذلك بعد أن تم سحق القوات المشتركة في المثلث الحدودي وهربت لداخل الحدود المصرية، الشيئ الذي يعلم القاصي والداني أنه متغير كبير في المعركة بفقدان مرتزقة القوات المشتركة للعمق الليبي ليصيروا بين مطرقة قوات تحالف تأسيس، وسندان مطالبتهم بإخلاء الشرق والشمال باعتبارها أرض الجلابة التي لا يجب أن يكون لهم فيها مقام ولا كلمة، وبعدم استبعاد استحسان الحليف الإخواني لدمار القوات المشتركة إن ضمنت الحركة الإسلامية أن لا يرتد ذلك عليها بالسوء في الميدان، يصير ذلك التحالف بمثابة برميل بارود قابل للانفجار تحت أي لحظة، لكن وبما أنهم حلفاء، فذلك شأنهم.

وكان تسجيلاً صوتياً للإخواني عمار السجاد ينصح فيه كتائب البراء بن مالك باستهداف إثنيات المسيرية والحوازمة في كردفان ودارفور قد انتشر بصورة لافتة في الوسائط قال فيه: “لا تتركوا منهم امرأة ولا رجل ولا حتى طلفاً بلغ من العمر يوماً واحداً دون أن تقتلوه، الحوازمة والمسيرية هم العمود الفقري للدعم السريع”. ولم يمض على التسجيل سوى ساعات قبل أن ترتكب مليشيا البراء بن مالك الداعشية مذبحتها ضد أطفال الحمادي ونسائهم وشيوخههم، وانتشرت فيديوهات توثق لتك الجرائم غطتها خوارزميات وسائط التواصل الاجتماعي ووضعت عليها تحذيراً لفرط بشاعتها، وعن بشاعة إخوان الشياطين القتلة حدث ولا حرج.

وتقرأ أيضاً في دفاتر حرب التحرير عما بعد المذبحة، فتجد أن في الحمادي رجال أولي بأس شديد صبورين عند اللقاء والمكاره، يعرفون قدر أنفسهم لا يضيرهم من عاداهم، يعرفون ما يجب فعله، ويعملون ما يجب، فحياهم الغمام حيثما حلوا تلك الوجوه السودانية الأليفة، والتي اكتفت بالقليل، لكن الحركة الإسلامية لم تقبل منهم إلا كامل الإذعان والرضوخ، بأمر ولي الله الذباح علي كرتي، لعنه الله.

وسرعان ما اندلعت “انتفاضة كردفان” في حرب التحرير، والتي تم فيها تحرير مدن “الخوي” و”الحمادي” و”الدبيبات” و”أم صميمة” من الدواعش دفعة واحدة، وخلال ساعات. ليكتب في دفاتر حرب التحرير، أن كردفان صارت مرة أخرى “مقبرة للغزاة”، بعد أن دحرت قوات “هكس باشا” في التاريخ البعيد، إذ سحقت جيش الدواعش المسمى بمتحرك الصياد متعدد المشارب والجنسيات، والمكون من مرتزقة القوات المشتركة، وعدد من شذاذ الآفاق، ومرتزقة من دول الجوار الهش. وشبهت المعركة بـ”شيكان”، ولقبوها بـ”أم المعارك”، كونها اليوم الذي عرف فيه “عيال حاج نور”، أن الحرب في كردفان ليست نزهة، وأن دماء أطفال الدبيبات والحمادي المسفوكة أغلى بكثير من دماء قائد متحركات كردفان الهالك، و”حوت يا الخصيم بي غادي دربو بضر”.

وعلى ذكر حرب التحرير يقول الخواض: (أنا المشّاء أنبح في المدائنِ، والقفارِ/ لا بدّ من حربٍ لأفهمَ شكل َبؤسي في المسارج، والظلالِ/ لا بد ّمن حرب ٍلأدرك َعمقَ روحي وامتدادي في فضاءاتِ البراعةِ، والكمال/ لا بد ّمن حربٍ تعيد صياغة الموتى وتعريف الحياة/ لابد ّمن حرب ٍلإيقاظ الطغاة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى