جرائد

إسرائيلي يكتب من الخرطوم: اللاءات الثلاث لم تعد تمثل الإجماع

 

صحفي إسرئيلي-إلداد بيك
الداد باك

نحو الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، الشارع المليء بالحركة، تتوقف فيه الحركة تماما. يخرجون السجاد من حوانيتهم التجارية ومكاتبهم، ويقومون بوضعه في الممرات، رجال من كل الأعمار يتركون أماكن عملهم ويسارعون في المجيء، أبواب المحال تبقى مفتوحة، برغم أن أصحابها تركوها وانضموا للجموع المحتشدة التي تستعد لصلاة المغرب.
أهلا وسهلا بالقادمين إلى الخرطوم، عاصمة السودان، من الدول الإسلامية الأكثر تطرفا، التي يتم فيها تطبيق قوانين الشريعة منذ عشرات السنين رسميا. «بعد ذلك»، قال لي أحد المحليين، «ليس فقط أنك لن ترى إعداما علنيا أو بترا لأيدي السارقين، سندعوك إلى حفلة يرقص فيها الرجال مع النساء. ولكن سياسة التطرف الديني ضعفت في السنوات الأخيرة بصورة كبيرة».
الحديث لا يدور هنا فقط عن التطرف الديني. إن اسم الخرطوم سبقها كعاصمة المعارضة للصهيونية ولإسرائيل.

في نهاية أغسطس 1967، بعد بضعة أسابيع فقط من انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة، عقدت في الخرطوم قمة عربية بمبادرة الرئيس المصري في حينه، جمال عبد الناصر، وقامت ببلورة مبادئ سياسة الرفض التي وجهت مقاربة الأغلبية العظمى للعالم العربي تجاه إسرائيل على مدى عشرات السنين: لا للاعتراف بإسرائيل، لا للمفاوضات مع إسرائيل، لا للسلام مع إسرائيل ـ سياسة سميت باختصار «اللاءات الثلاث»، ورفضت أية علاقة ممكنة مع دولة اليهود.

السودان استخدمت حتى الآونة الأخيرة كممر لتهريب السلاح من إيران إلى حماس والجهاد الإسلامي. وقصفت بسبب ذلك عدة مرات من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، حسب مصادر أجنبية. اسم السودان يلمع مثل نجمة في «القائمة السوداء» للدول التي تدعم الإرهاب. أسامة بن لادن، أبو نضال وكارلوس ـ الإرهابي المعروف الذي فرض الخوف منه على العالم الغربي في السبعينيات والثمانينيات ـ ثلاثتهم وجدوا ملجأ لهم في السودان. كل المنظمات الإسلامية الأكثر تطرفا اعتادت على الاجتماع في الخرطوم من أجل تنسيق النضال ضد إسرائيل والغرب. والآن في الأشهر الأخيرة يجري في السودان، بإلهام من الحكومة المركزية، نقاش عام مفتوح حول التطبيع مع إسرائيل، ولا يوجد أحد يحتج أو يحرق الصيغة السودانية في كشك الصحف.

لقد هبطت في السودان بعد بضعة أيام على اتخاذ الحكومة الأمريكية قرارا حول الخطوة الدراماتيكية جدا، التي لم تحظ بالاهتمام العالمي، وهي رفع جزء من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على السودان في 1997، وخنقت طوال عشرين سنة اقتصاد هذه الدولة العربية المسلمة. السودانيون يقولون إن رفع اسم السودان من قائمة الدول التي تدعم الإرهاب، هو مسألة أيام.

السودان فعليا تم رفعه من قائمة الدول الإسلامية التي لا يسمح لمواطنيها بالدخول إلى الولايات المتحدة. في إسرائيل، قال لي عدد من المتحدثين معي حسب تقديرهم، «ساعدت في تغيير الموقف الأمريكي». آخرون يظهرون معارضتهم لأية مصالحة مع إسرائيل ويزعمون أن الحكومة السودانية وافقت على صفقة تضر بحقوق الفلسطينيين: رفع العقوبات مقابل الاعتراف بإسرائيل. إن مجرد النقاش حول هذا الأمر يظهر أن هناك تغييرا عميقا يحدث في الشرق الأوسط، «اللاءات الثلاث» لم تعد تمثل الإجماع.

 

إسرائيل اليوم ـ 15/11/2017

ترجمة: القدس

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى