رأي

رقابة ذاتية أم بِنية واحدة؟

 

محمد فرح وهبي

قبل اسبوع من الآن كنت ضيفاً علي قناة سودانية ٢٤ وبرنامجها المختلف جداً -أعمال سنة- منتج البرنامج هو الزميل الأستاذ موسي حامد ومقدمه شاب لطيف وخلوق وصاحب حس عالي يمكنه من الالتقاط الجيد وملء كل مساحة الحوار والاستديو -فضاء الحوار- بديناميكية عالية ومضبوطة وهو الشاب الأستاذ محمد عثمان.

وكما شاهد معظمكم فان البرنامج عبارة عن رصد لأهم أحداث العام ٢٠١٧ وعبر فقرات مختلفة، وكنت بحكم عملي كصحفي وباحث وكاتب بمساهمة معروفة – سارق الضوء- قد استضفت لتقديم اضاءات حول الحركة الجماهيرية الضخمة لجماهير الفنان الكبير الراحل محمود عبد العزيز، بالتحديد التعليق علي ذكري تأبينه في يناير هذا العام.

والموضوع ليس بالبساطة التي ربما ينظر بها بعضهم إليه، وقد اشرت لهذا الامر كثيرا، مؤكدا في نفس الوقت علي صفتي المهنية كصحفي، باحث وكاتب، مطالبا بضرورة ألا تتفه الظاهرة -ظاهرة الحواتة- وألا يتم تبخيسها، داعيا المختصين في علم الاجتماع وغيره من العلوم الإنسانية للعناية بالظاهرة مؤكدا علي حقيقة مهمة بالنسبة لي: ظهوري الاعلامي في هذا الموضوع بالتحديد هو واجب أخلاقي أقوم به والتزام تجاه كل هؤلاء الشباب وقبلهم تجاه حبيبنا ومغنينا الاجمل محمود عبد العزيز.

بعد اسبوع من بث الحلقة أجدني في تمام الصفاء النفسي والتصافي مع ما حدث وان لم يضجرني من الأساس، فقط اعلق عليه كضرورة أخلاقية لازمة وكواجب محبة تجاه قناة وليدة وعلق عليها كثير من الناس آمالهم، بمشاهدة أكثر وعيا بحقيقة الحياة والمجتمع هنا في السودان، وشعارها يقول بذلك(بلد في شاشة).

ما حدث: سألني مقدم الحلقة عن نقطة محددة،هل كان ظهور محمود تعويضا او ملء لفراغ كبير كان يحياه شباب السودان في ذلك الوقت؟ تقريبا قلت رأيي في هذه النقطة عبر كتابي سارق الضوء، وعبر عدد من المقالات..هو ليس ملء فراغ بقدر ما أنها طاقة الفن تلك الكامن فيها نبض الحياة، قوة الحياة مقابل هشاشة العدم حينها ممثلا في شعارات (التجييش) والقتل والكذب باسم الدين لتحقيق مكاسب هزيلة في معركة أكثر هزالا وهي السياسى حينما تؤكد نفسها كلعبة قذرة فقط.

طبعا هي وجهة نظر خاصة وارفض تجييرها لصالح أي جهة، وحتي أكون أكثر أمانة اقول اعتقادي بأن محمود نفسه لم يخطط لمواجهة بهذا الشكل، لكنه أطلق صوته من حنجرته الاطول قليلاً من العادة وانتظر من يؤمنون بهذا الصوت..النتيجة امن الناس بالفن وانتبهوا لحياتهم المهددة بالاكاذيب والفناء، امنوا بالفن، بالحب، بالحياة، بالجنصصة والبراءه، وان انتظار حبيبة في ناصية مدرسة أكثر طزاجة وأطعم ألف مرة من الحلم ب(حورية) تقبع في جنة بعيدة!.

الحصل شنو؟ هذا الانتباه قطع الحبل أمام الاكاذيب، جعلها تخجل من نفسها وتتراجع مقابل لحظة الاشراق التي عمت.
وجهة نظري هذه قابلة أيضاً للنقد وحتي النقض، وانا بكل صدق وحب لا ادين بها أي جهة سياسية دينية وغيره.. ربما موقفي الاخلاقي كباحث وكاتب يملي علي هذا الموقف، الادانة ليست وظيفتي: انا كاتب مستقل وباحث..اكتب واوثق وانقب، ومن ثم كل يغني ل_ ليلاه.

حزف كلامي عن النقطة اعلاه من الحلقة الامر الذي فتحني علي سؤال البنية، ومع اختلاف الحقب والوجوه يبدو أن هناك من لم يزل يرتجف، لا لشيء، فقط لأنه ارتجف طويلا بما ظنه مبررٌ ولم يجده شئيا حين بلوغه اياه، ومع ذلك لم ينفك يرتجف طيلة الوقت. اعتقد بأن قناة سودانية ٢٤ قناة مبشرة وربما تنهي قطيعة كثيرين هنا مع كل ما هو سوداني، اعرف عن مالكها رجل الاعمال وجدي ميرغني وهو محمودٌالسيرة وما(عندو مصلحة في تقطيع اراء خلق الله)

اعرف بالمقابل ان لكل جهة إعلانية سياساتها الخاصة وتوجهاتها وأرجو صادقا ألا تكون واحدة من سياسات سودانية كبت اراء الضيوف واعادة انتاجها في قالب غير الذي كان يعنيه الضيف فبتر اي كلام مهما كان تافها بنظركم هو ذو قيمة بالنسبة لقائله، لا ادعو طبعا لقول اي شيء، انا ضد الهراء بالفطرة كده، ولكن اقف ضد أن تعيد قناة وليدة وچميلة تجربة قناة ميتة _تلفزيون السودان _ولم يعد يتذكرها أحد إلا حين تذمره لفترات قبيحة مرت به كادمي وسوداني مزقت بلاده الحروب وضلله الاعلام ممثلا في هذه القناة التي توفت ولم يبكي عليها أحد

لا تعيدوا تجربة ميتةفي قلب ما زال يتلمس طريقه للنبض، تحرروا من بنية الشك والخوف وان تقوموا بدور الأجدي أن تقاوموه من موقعكم كإعلاميين وانسانيين. كونوا فعلاً قناة جديدة في كل شيء حتي في علاقتكم بالانسان هنا ومن جديد، فهو في انتظاركم.
لقد تأخر الوقت.

كاتب صحفي مستقل وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى