رأي

محمد حسن عربي يكتب.. ماذا يريد المؤتمر السودانى؟

محمد حسن عربي- الناطق الرسمي للمؤتمر السوداني

تزامنت دعوة رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير لمنازلة رئيس وزراء النظام معتز موسي فى مناظرة حول سياسات حكومته، مع صدور البيان الختامى لدورة انعقاد المجلس المركزى للحزب وهو السلطة الحزبية الأعلى بعد المؤتمر العام.

كان البيان الختامي واضحاً فى الشق السياسي منه، سواءاً من خلال الرؤية للوضع أو الخيارات المعتمدة حزبياً للتعامل معه، غير أن بعض التعليقات هنا وهناك حول دعوة المناظرة مختلطة مع الموقف الحزبي وتقديراته السياسية تحمل المرء على محاولة توضيح رؤية الحزب الشاملة بدلاً من الدوران في حلقات العناوين المضللة أو المغيبة للحقائق.

ينظر المؤتمر السوداني إلى نفسه كحزب مقاوم لا لنظام الإنقاذ فحسب بل لمجمل اختلالات البنية المشوهة التي طبعت نشوء وتكوين الدولة السودانية الحديثة.

يعي الحزب أيضاً في هذا السياق أن لفظة المعارضة لا تعبر موقف الحزب الحقيقي وموقعه من الخارطة السياسية، فالمعارضة موقف سياسي من الحكومة فى نظام ديمقراطي أو على الأقل نظام مقبول من حيث المبدأ سواءاً فى مصادر شرعيته أو منابع قوته، ولأننا نحكم بواسطة نظام غير ديمقراطي فإن مثل هذا النظام لا يحتمل المعارضة بل المقاومة بغرض استعادة الديمقراطية اولاً لذلك فإن مركزنا السياسي الحالي هو المقاومة ولا شيء غيرها، ومن هنا ننطلق نحو التقديرات و المواقف السياسية.

قالت الأمم المتحدة فى تقرير صادر عن مكتب الشئون الإنسانية التابع لها بالخرطوم أن ٤.٨ مليون شخص فى السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن بلادنا لا تزال واحدة من اكبر مراكز الاحتياجات في العالم، وأن سوء التغذية الحاد فى الأطفال دون سن الخامسة فوق مرحلة الطواريء فى مناطق مختلفة بالبلاد وارجع التقرير أسباب ذلك إلى آثار الحروب والنزوح ذات الصلة وهي أرقام كارثية بكل المقاييس.

تسببت حروب النظام ضد مواطنيه فى مقتل وإعاقة ونزوح مئات الآلاف من المواطنين في دارفور والمنطقتين، وأدت هذه الحروب إلى وضع مناطقها تحت قانون الغاب فعلاً بالسيطرة الفعلية لحملة السلاح على الأرض فى المدن والقرى، ففي ولايات دارفور لم يعد قتل الإنسان بواسطة مليشيات موالية للحكومة خبراً أو حادثة مدرة للدموع عند العائلات التي لم تعد تقيم للحزن و العزاء مراسماً.

وفي مثل هذا الواقع يتجاوز وقف الحرب عبر معالجة جذور مسبباتها في برنامج المؤتمر السوداني وخطه السياسي الشعارات إلى الأهداف المعتبرة على رأس سلم الاولويات، ولا نبخل على هذا الهدف بأي جهد أو موقف حتى لو كلفنا ذلك بعض حجارة من يرغبون فى استمرار هذا الوضع الكارثي تحت شعار لا صوت يعلو فوق صوت (معركتهم الخاصة) ولا يهم فيما عدا ذلك عدد القتلى والنازحين واللاجئين، فهم في دفاترهم مجرد أرقام لا غير.

لم تندلع الحروب فى البلاد عبثاً، ولم يقدم الآلاف من الشهداء أرواحهم فى المحرقة التى وصفتها المحكمة الجنائية الدولية وكيفتها قانوناً على أنها اتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الانسانية وجرائم حرب لأنهم يعشقون الموت المجاني.

اندلعت هذه الحروب لأسباب سياسية واستمرت لأسباب سياسية ونحن نعي أن وقف هذه الحرب لن يكون بانتصار عسكرى يحققه أحد حملة البندقية على خصمه، ولن يتحقق بتسوية سياسية على نهج الانقاذ البندقية مقابل الوزارة، ولن يتحقق بإجبار قادة الحركات المسلحة على القبول بتسوية سياسية واتفاق سلام وفق شروط النظام، انما يتحقق عبر حوار متكافيء وشفاف ذو مصداقية يفضي إلى اتفاق سلام شامل ودائم ضمانته رضا الشعب السوداني عنه لا توقيع الأطراف.

إن الوصول إلى إتفاق سلام شامل يتطلب مخاطبة القضايا السياسية المركزية المتعلقة بهيكل الدولة وليس عبر تسويات جزئية متعلقة بالمنطقتين ودارفور، وعلى رأس تلك القضايا نظام الحكم وتوليد وتوزيع الموارد وقضايا الأرض وحكم القانون وإنهاء كافة أشكال التمييز والهيمنة الإجتماعية والثقافية، ومن شأن أي إتفاقية للسلام الشامل أن يترتب عليها فترة انتقال من الوضعية الحالية إلى الوضعية التي نتطلع إليها ولن يتحقق ذلك إلا بحوار شامل بين أصحاب المصالح المتنازعة والمتعارضة.

لذلك يجد المؤتمر السوداني نفسه من حيث المبدأ فى المكان الصحيح وهو التحالف مع القوى ذات المصالح السياسية والإجتماعية المتوافقة مع برنامج الحزب، بغرض الوصول إلى سلام شامل من حيث القضايا ومن حيث الأطراف، وبغرض الإتفاق المبكر على فترة انتقال تخاطب فيها القضايا الحقيقية لشعوب السودان، وليس هناك ما هو أفضل من تحالف قوى نداء السودان لتحقيق ذلك.

نتابع هذه الأيام التحولات العميقة فى مسار خارطة الطريق التي وقعتها أطراف من قوى نداء السودان في اغسطس ٢٠١٦م على مضض.

لم تلبي الخارطة التى تبنتها الآلية الإفريقية مطالب القوى الأربعة الموقعة عليها، ودعمتها في ذلك الحين بحماس وسخاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية أخرى اتجهت منذ وقت إلى السفور في التعاطي والتعاون مع النظام نظراً لمصالح متشابكة أهمها الحرب الأوروبية على اللجوء على قوارب الموت عبر المتوسط، والحرب الأمريكية ضد الإرهاب، ورغبتها في فرض الإستقرار في جنوب السودان وفي المنطقة بشكل عام بدلاً عن التوتر الذى يؤدي إلى اللجوء، وإلى احتضان أوكار القوى المتطرفة المعادية لها، وإلى إرهاق ميزانيات الدول المانحة بالمساعدات وبالنفقات العسكرية والأمنية، فضلاً عن النفوذ الإقتصادي الروسي الصيني المتنامي في إفريقيا، والذي صار مهدداً مباشراً لتنافسية رأس المال الامريكي.

ترافق مع هذه التحولات فى الخارطة كارثة اقتصادية ضربت معظم السودانيين والسودانيات، وتحولات داخل النظام كلمة السر فيها دعم مركز رئيس النظام وحماية تطلعاته فى الاستمرار رئيساً مدى الحياة، التحولات داخل النظام قدمت هدية مجانية تتمثل فى ابتعاد بعض رموزه عن مركز النظام، وفى اتجاه غالب لديه الرغبة فى تغييرات جوهرية فى قيادة النظام مع الإبقاء عليه، ورغم هذه الأزمات الاقتصادية والإنقسامات داخل النظام إلا إن الرياح الجديدة لا زالت تنفخ الروح في أشرعته رغم ضعفه البائن.

هذه الوضعية ناتجة بالأساس بسبب إختلال ميزان القوى الداخلي، وهي تعبير عن إخفاقنا نحن في المعارضة السودانية في التعبير عن الشارع السوداني وفي استنهاضه وتنظيمه للخلاص من طغيان نظام الإنقاذ، ولا نرى غضاضة من الإعتراف بقصورنا ودفن رؤوسنا في الرمال، فنقدنا لأنفسنا ينبع من رغبة في عمل أفضل وأقوى يعيننا على تحقيق أهدافنا الوطنية.

نحن نريد أن نكون فاعلين فى افشاء ثقافة المقاومة، ونحن نعلم أن مهمتنا الأولى هي التغلب على قصورنا في إلهام الشعب وتنظيمه خلف مشروع للتغيير الشامل.

هذه مهمة معقدة وشاقة ولكنها ليست مستحيلة وإن كانت كذلك فنحن لها.

إن مهمتنا الأولى هى إنتاج وتقديم الرؤي والبرامج التى ندعو الجمهور إلى الالتفاف حولها، مهمتنا الثانية هى إقناع الجمهور أن هناك من داخله رجال ونساء قادرين على تحقيق تطلعاتهم فى الحياة الحرة و الكريمة عبر قيادة المقاومة في الشوارع والبيوت وأماكن العمل وفي الإعلام.

إن المناظرة التي طلبها رئيس حزبنا مع رئيس وزراء النظام بذات أهمية المظاهرة والمخاطبة في الأسواق والوقفات الاحتجاجية، وكلها أبواب للمقاومة والتغيير لن نمل طرقها وتجريبها.

إن طريق التغيير الشامل يمر عبر العمل وسط ومع المواطنين بغرض البناء المنظم حول برنامج سياسي بديل وقادة حائزون على ثقة الجمهور، وفي ذلك لدينا وجهة سياسية وتنظيمية واضحة عنوانها المقاومة بكل سبلها المدنية الممكنة، ومحتواها الإستثمار ايجاباً فى كافة الخيارات المتاحة دون الترفع عن معركة أو الخوف من خوضها وهذا هو عين ما نريده ونعمل عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى