الجماهير: وكالات
أوردت صحيفة تايمز البريطانية أن نبوءة الكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل عن سيادة الكذب تجد ما يؤكدها في الكثير مما يُسمى حاليا بـ “الحقائق البديلة” من تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى النشر المقصود للمعلومات الخاطئة من قبل روسيا.
وتقول الصحيفة في مقال للكاتب بن ماكنتاير إن معجم كولينز الإنجليزي حدد هذا الأسبوع كلمة “الخبر الكاذب” باعتبارها كلمة العام في 2017، وذلك بعد عام من منح معجم أوكسفورد قدرا مماثلا لكلمة “ما بعد الحقيقة” باعتبارها كلمة العام الماضي، والكلمتان تعودان لأورويل الذي توفي في 1950.
وستشهد العاصمة البريطانية لندن في اليومين المقبلين نصب أول تمثال لأورويل الذي دافع أكثر من غيره من الكتاب عن اللغة والثقافة ضد القمع والتلاعب البارع، وذلك في روايته “مزرعة الحيوان -1945” وروايته الأخرى “1984 – المنشورة في 1949”.
ثقب الذاكرة
يقول الكاتب إن حضور أورويل أصبح في كل مكان: في السيل المتعمد للمعلومات الكاذبة هذه الأيام، والدعاية المصممة لتهديد الديمقراطية من قبل الحكومة الروسية، وفي الهجوم المستمر على حياد وسائل الإعلام من قبل البيت الأبيض، وفي إعادة كتابة التاريخ على نطاق العالم برمي الحقائق المزعجة عبر ما أسماه أورويل “ثقب الذاكرة”.
يمكنك الوقوف على نبوءة أورويل عن “البؤس والتضييق” في الكاميرات التلفزيونية مغلقة الدوائر التي تتلألأ في طرقات المدن وتلتقط كل حركاتنا، والاعتراض السري لبريدنا الإلكتروني ومكالماتنا الهاتفية، والمعارك التي تُشن للسيطرة على الأخبار والماضي وعلى اللغة، حيث حذر أورويل في وصف دقيق له لإدارة الحكم من خلال التغريد قائلا “ستتناقص الكلمات بمرور السنوات، كما أن سعة الوعي ستضيق شيئا فشيئا”. قال ذلك قبل أن يموت في 1950.
يلفت ماكنتاير الانتباه إلى أن رواية “1984” لأورويل المنشورة في 1949 ارتفعت مبيعاتها في الولايات المتحدة 9500% خلال أربعة أيام فقط لتصبح الأكثر مبيعا بمجرد أن انبرت المتحدثة عن ترمب في يناير الماضي لتدافع عما يسميه أغلب الناس بالأكاذيب لتسميه هي بـ “الحقائق البديلة”.
الجلاد والسجين
وكانت مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون قد شبّهت “محاولة ترمب لتعريف الحقيقة” بمشهد في رواية 1984 حيث “يرفع الجلاد أربعة أصابع ويصعق السجين بصدمات كهربائية إلى أن يرى السجين خمسة أصابع بدلا من أربعة كما هو مطلوب”.
وكان لكلمة “أورويلي” التي كثر استخدامها لحد التخمة هذا العام صدى خاص إذ تشير إلى كلمة لا يمكن التحقق من صدق مدلولها، بل تُستخدم في الأشكال المختلفة للدعاية “البروبوغاندا”، حيث تُكرر الكذبة باستمرار وبإصرار حتى تصبح واقعا بعد أن يتم إرهاق المتلقين وإرباكهم بالكذب إلى درجة يصبحون فيه غير مهتمين بالحقيقة.
وكان أورويل، قبل نشره “مزرعة الحيوان” و”1984″ قد طرح رؤيته الكابوسية عن عالم “ما بعد الحقيقة” في مقال له بعنوان “نظرة ثانية للحرب الإسبانية” يؤكد فيها أن جوهر الحقيقة يتعرض للتهديد.
انتصارات وهمية
وكتب أورويل، الذي حارب في إسبانيا بصفوف الجمهوريين وشهد كيف يتنافس طرفا الحرب لصياغة وعي الناس عبر الدعاية “في إسبانيا شهدتُ لأول مرة تقارير صحفية لا تتضمن أي حقيقة، ولا حتى علاقة بما تتضمنه الكذبة العادية. رأيتُ في تلك التقارير معارك كبيرة حيث لم يجر قتال قط، ورأيتُ صمتا تاما حين قُتل مئات الناس، ورأيتُ جنودا حاربوا بشجاعة يوصفون بالجبن والخيانة وآخرين لم تُطلق عليهم رصاصة واحدة يُشاد بهم أبطالا لانتصارات وهمية”.
وقال أورويل أيضا عن تجربته في تلك الحرب “مفهوم الحقيقة الموضوعية نفسه يتعرّض للاضمحلال في هذا العالم. ستتسرب الأكاذيب إلى التاريخ … إذا قال القائد عن أحداث حدثت بالفعل، إنها لم تحدث قط، فهي لم تحدث قط. وإذا قال إن اثنين واثنين تساويان خمسة، فإنهما تساويان خمسة”.
في عالمنا اليوم نجح الرئيس الروسي في تمرير سيل من المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة لزرع الانقسامات والتشويش ليس وسط شعبه فقط، بل على نطاق العالم. ونفت مستشارة الدولة بـ ميانمار أونغ سان سوو تشي أزمة لاجئي الروهينغيا باعتبارها “أخبارا كاذبة”، وهكذا لا وجود لأزمة روهينغيا بعد أن قال القائد إنها لا توجد أبدا.
واليوم سيُنصب تمثال أورويل أمام هيئة الإذاعة البريطانية، حيث عمل منتجا لفترة قصيرة خلال الحرب العالمية الثانية، كأكثر من مجرد إشارة رمزية، فهو يُذكّر بإيمان أورويل في وجود الحقيقة رغم أنها أصبحت بعيدة المنال، وفي الروح الإنسانية المثابرة في بحثها سعيا وراء الحقيقة رغم “الأخبار الكاذبة” واللغة المشوهة والحقائق البديلة التي أصبحت عملة السلطة المعاصرة.
أالمصدر : تايمز