
الانتخابات القادمة في 2020 لاشك تعني الكثير في مصير السودان حاضره ومستقبله السياسي والاجتماعي، فهي فرصة سياسية ذهبية في ظل إنعدام البدائل وإنسداد الأفق السياسي الذي يخيم على البلاد،وهي فرصة جيدة لعقلنة الحياة السياسية بدلاً عن العبث الذي طال تجريبه .فاذا تم التعامل معها بكل جدية كقضية اساسية وسياسية من الدرجة الاولي من جميع أطراف الحياة السياسية في السودان يمكن أن تحقق إختراقات كبيرة على صعيد الحقوق والتحول الديمقراطي ووضع عتبة للأستقرار السياسي الذي ضاعت فرص عديدة وتبددت إمكانات للتغيير،وأما اذا تم التعامل معها باستخفاف وأستهانة وعدم جدية كافيتين فان عواقب ذلك ستكون وخيمة بل وكارثية على مجمل الحياة في السودان ،والذي ليس أقلاها إستدامة الاوضاع الحالية التي يبدو أن السلطة الحالية تراهن عليها وتضع نصب عينها أن تعيد إنتاج نفسها عبرها ،وأن تستمر بمشروعية انتخابات أصبحت لمجرد إجراءها حتى لو دعي الداعي لتجاوز إشتراطاتها ومطلوباتها فهي كفيلة باسباغ شرعية ولو الى حين لأى حكومة بغض النظر عن مسيرة ممارستها للسلطة وسجلها في الحكم والممارسة،وبأمكانها أن تتحصل على الأعتراف ودونك مركز كارتر الذي يقوم بمثل هذه المهمة كالمعتاد .
من حيث المبدأ يجب أن نستشرف أفق الانتخابات وفي بالنا اعتبارات أساسية كالتالي:
عملية الانتخابات فوق أنها أفضل الخيارات السياسية التي لا يمكن رفضها والقفز عليها بأي شكل من الأشكال في الوقت الراهن،لأنها فرصة للتداول السلمي للسلطة كما يُعتاد القول ، وإضافة الى ذلك لأنه يوفر إطار للأحتكام الي لغة السياسة وأعراف إدارة وحكم الدول وهو الطريق الذي ظلت السياسة السودانية تتنكبه على مدى نصف قرن حتى وصل الحال إلي هذا المآل المحزن .
تعتبر عملية الأنتخابات منصة لترتيب اوراق السياسة والمجتمع أمام الجمهور التى قادت عبثية المشهد السياسي الى إضعاف عملية مشاركتها السياسية وبالتالي قاد الي تغيب القوى الأجتماعية السودانية من ميدان التفاعل مع قضاياها وتُركت ترزح تحت وطأة إستبداد طويل وعدم إستقرارضيًع على البلاد ماضيها وأصبح حاضرها مهدد بماضيها ومستقبلها ينزر بشؤم وشرِ مستطير .لذلك فإنه يجب أن تضع القوى السياسية في اعتبارها بأنها ملزمة بأن ترد للقوى الأجتماعية السودانية إعتبارها عبر الأنتخابات القادمة حتى تصبح الممارسة السياسية عقلانية ليست قائمة على الأهواء والتمنيات مايجعل المنافسة مشروعة وبزل الجهد فيه شرف وفضيلة سياسية لا يضاهيها أي فضيلة مهما كان نبل القضية التي يناضل من أجلها السياسي والأفكار التي يعبر عنها ويدعو إليها ،وماذلك إلا لأن منطقها المواجهة بالبرنامج والتصورات والرؤية والمهمة التي ينتدب المتنافسون أنفسهم لها ومقياس مصداقية ذلك كله الرهان على خيار الجماهير وإقناعهامن باب الإيمان بها والعمل من أجلها .
فوق كل الاعتبارات اعلاه ،يجدر أن نشير الي أن أهمية انتخابات 2020 تأتي ويمكن أن تضع خط فاصل بين السودان في تجربته الوطنية التى إنتهت الى ماهو عليه الان ،وأفق جديد يجب أن يستشرفه السودانيين وهم الآن تدلهم بهم الخطوب ،لذلك أعتقد أنها فرصة جيدة لبروز قوى جديدة في المشهد السياسي والأجتماعي وفرصة أيضاً لبلورة خطاب جديد يرسم ملامح المستقبل ،ويتناسب مع تحديات الحاضر،ومن حظه سيستقي العبرالوفيرة من بحر الماضي .
ليس من الصعب أن نرصد مؤشرات على أن انتخابات 2020 لن تكون كسابقاتها ولكن أرى أن ننشغل بكيفية ألا تكون كسابقاتها يعنى أن نضع الرهانات على مايجب أن يتم فعلاً.لذاأرى ان يتم التعاطي مع انتخابات 2020 بحجم التحديات الراهنة بأن يتم إيلائها كل الاهتمام من الفاعلين السياسين والقوى الجديدة على وجه الخصوص باعتبارها فرصة وأمر واقع لابد من مواجهته وكذلك تحدي فعلي لاختبار إرادة التغيير الذي أصبح السير في طريقه أمراً لابد منه بل وضروري لتدشين المرحلة الجديدة من عمر الدولة السودانية وأن نضع فيها اولى عتبات النهوض وإلا فإن استمرار دوران الحلقة الشريرة للنظام السياسي القديم يعني الإنزلاق النهائي بالدولة السودانية الي مهاوي الإنهيار الشامل والذي ستتحمل القوي الجديدة وزر ذلك بسبب تقصيرها في التصدي والمواجهة وأخذ زمام المبادرة لقيادة المستقبل .فهل لديها الحس السياسي الكافي لذلك ؟