رأي

إسماعيل عبدالله يكتب: ورطة الحركات المسلحة

ظللنا ننبه بعض من شعب دارفور لخطورة دعمه الحركات المسلحة، الفاقدة للبوصلة منذ اتفاقيات أبوجا – الدوحة – جوبا، وعدّدنا الأسباب والمبررات المنطقية التي تدفعنا لإثناء بعض المكونات السكانية المساندة للحركات المسلحة من منطلقات قبلية، والشاهد في هذا هو انكفاء هذه الحركات حول الجهوية والعشائرية الضيقة داخل حدود الإقليم، وفشلها في إقناع السودانيين بما جاء في دستورها من مبادئ عامة، اتخذت من الأجندة الوطنية طريقاً لإقناع الناس بطرحها القومي، وكل حصيف ومتابع لصيق بحراك دارفور المسلح، الذي طفح إلى السطح باقتحام الحركات المسلحة للفاشر قبل عشرين عاماً، يعلم مدى التفريط الذي صاحب المنظرين والمفكرين المتمردين، المتمثل في إضاعتهم للزخم العالمي حول الأزمة حينذاك، وعدم استثمار التعاطف الدولي الذي حظي به المتمردون ضد منظومة الحكم الموجودة اليوم في بورتسودان، فالإخفاق كان شاملاً لكل الاتجاهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، فقد أضاعت هذه المليشيات كل ذلك بعد أن كانت مسيطرة على تسعين بالمائة من أرض دافور، ثم أتي التشظي والانقسام بين القادة على الأساس القبلي في ذات الظرف التاريخي المفصلي، الذي لم يتوافر للدكتور جون قرنق وهو القائد الملهم، الذي قاد حراكاً سياسياً وعسكرياً حسم به قضية الشعب الذي ناضل من أجله، في مدة لم تتجاوز العقدين من الزمان، وهي عين المدة التي قضاها أمراء حرب دارفور في التجوال بين أسواق النخاسة، يقبضون الأثمان الباهظة ويرفلون في نعيم ورقة الدولار الممسوحة بدم الأبرياء، لقد ضرب تجار حرب دارفور أفظع الأمثلة في الارتزاق العابر للحدود، وأخيراً ختموا رحلة الارتزاق بالوقوع في أحضان مليشيات حزب المؤتمر الوطني المختطفة لجيش الدولة.

لفقدانهم الضمير الوطني ولركضهم وراء المصلحة المادية الصرفة، أصاب العمى القادة الكبار لهذه المليشيات، وكعادتهم ذهبوا يمارسون هوايتهم القديمة في ابتزاز الطرفين المتقاتلين، ولما لم يجدوا مرامهم عند الطرف المعتدى – بفتح الدال – عليه، رجعوا للطرف الآخر المعتدي – بكسر الدال – الذي يعرفهم ويعرفونه منذ نعومة أظفارهم، والذي شاركوه مشروع التكسب السياسي من وراء قضية شعب دارفور الذي لاذ بمعسكرات النزوح واللجوء، وسال لعابهم لالتهام المال الحرام بنفس الوسيلة التي استغلوا بها مخرجات الاتفاقيات، التي وقعوها مع هذا الطرف المعتدي باسم شعب دارفور، فأكلوا أموال المانحين وأدخلوها حساباتهم البنكية، وتركوا العجزة والمسنين والأطفال والنساء، قابعين بمعسكرات “أبو شوك” و”زمزم” و”كلمة” يموتون جوعاً وقهراً، إن الكارثة الإنسانية بمدينة الفاشر تسببت فيها وبشكل مباشر هذه المليشيات القبلية للحركات المسلحة الخارجة عن الحياد، بحصولها على رشاوى من قيادة جيش المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمين، وهذه الفضيحة كشفها أبواق الحكومة النازحة لبورتسودان، بعد أن أصبح في حكم المؤكد أن منبر جنيف سيكون المنبر الأخير لوقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين، وبما أن هناك كيكة للسلطة العسكرية سوف يتم تقاسمها بين الجيشين المتحاربين، فإنّ هواة اللعب في المياه القذرة والخوض في البرك الآسنة، المرابين المتاجرين بقضايا الشعوب، من أمثال قادة هذه المليشيات، قد تحركت نوازع الشر المستوطن في نفوسهم بأكل أموال القضية الوطنية والسمسرة والمراباة بها، وخرجت تصريحاتهم للعلن محذرين شريكهم الطرف الأصيل في الحرب، في مفاصلة عسكرية بائنة بينونة كبرى، سوف تؤدي إلى سفك مزيد من دماء المغفلين الحاملين للسلاح من أبناء دارفور، الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة رؤسائهم المباشرين وسندان قادة جيش فلول النظام البائد.

لقد تورّط قادة الحركات المسلحة القابضين لثمن وقوفهم مع جيش الكيزان شر ورطة، على الرغم من أنهم كانوا يعلمون بأن دخول المستراح ليس مثل الخروج منه، خاصة إذا كان مستراحاً تابعاً لأجهزة أمن النظام النازح، الأجهزة المتخصصة في تصفية من يجاهرها العداء حتى لو كان حليفاً، فيبدو أن استعداد الطرفين المتحاربين للذهاب لطاولة جنيف التفاوضية، سوف يطيح برؤوس قادة هذه الجيوش الملحقة إلحاقاً، وهذا بدوره سينهي وجود المليشيات المرتزقة (المردوفة) وراء الجيش الإخواني، الجيش الذي قاده الإخوان المسلمون الذين غدروا بكل من صافحهم، مثل هذا الجيش المخطوف الذي يملك جهاز استخبارات سيئ السمعة، لا يتوانى في إلحاق الأذى بكل من يخرج عن صفّه، إنّها النهاية المحتومة لقادة المليشيات القبلية التي لا رؤية لها سوى الانقياد الأعمى، لأمراء الحرب الذين لا يعيرون بالاً إلّا لمن بيده المال، فلو أن هذه المليشيات القبلية حافظت على موقفها الحيادي، لجنبت مدينة الفاشر هذا الخراب، لكنها جماعات غير منضبطة عانى منها شعب دارفور زماناً، ومن الأصلح لهذا الشعب المقهور أن تكون نهاية المليشيات المرتزقة بهذا المشهد التراجيدي، الذي يجسد موقف نابليون مع العميل النمساوي، الذي خضع لإغراء المال مقابل بيع الوطن، وما أكثر المتورطين في صفقة الخروج عن الحياد، بعد أن أصبح الطريق إلى جنيفا طريقاً باتجاه واحد، لا يحمل فيه المسافرون العفش الزائد الذي لا جدوى منه غير زيادة أعباء وعثاء السفر، وإرهاق الدابّة، واخيراً نقول شكراً جنيفا أن وضعتي خطاً فاصلاً، بين الرماديين وبين أصحاب المواقف المبدئية الواضحة التي لا لبث فيها، شكراً جنيفا.

إسماعيل عبد الله

ismeel1@hotmail.com

(نقلا عن سودانايل).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى