أحداثٌ عاصفةٌ مرّت بها فرنسا؛ خلال شهر، من عنفٍ وعنف مضاد . بدأتْ بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدء التصديق على قانون النّزعات الانفصالية؛ القانون الذي يستهدف أوضاع المسلمين في فرنسا، في تدخل سافر منه، وتقييدٍ للحريات الدينية، ثمّ برسومٍ مسيئةٍ لنبي المسلمين محمد (ص)، على صفحات مجلة (شارلي أبيدو)، ثمّ مقتل مدرس التّاريخ (صمويل باتي) على يد شابٍ (شيشاني) مُتطرف، أعقبها رداتُ فعلٍ قويّة من الحكومة الفرنسيّة، التي قامت بتفتيش أكثر من (120) منزل، وحظر جمعياتٍ إسلاميةٍ، وايقاف تمويلها، وذلك بعد تصرّيح الرئيس الفرنسي: “بأنّ الإسلام دين يعيش أزمةً في كلِّ مكان”، وأنّه يحتفي بالرسومات المسيئة للرسول، وأنّهُ يأمرُ بإعادة نشرها .
تصريحاتٌ مستفزة، زادت من إضرام النيران في العالم، وفي فرنسا على وجه التحديد، ففي هجوم بالسِّلاح الأبيض، قتل متطرفٌ شخصاً، وجرح اثنين في كنيسة في مدينة (نيس) جنوب شرق فرنسا، فيما أوقفت السلطاتُ الفرنسية رجلاً متطرفاً كان يهددُ المارة في أحدِ شوارع مدينة (أفنيون)، ينتمي إلى حركة (الدفاع عن أوروبا)، المنتمية إلي أقصى اليمين، حيث أنّه كان ينوي الهجوم على مسلمين، كما تعرّضت السفارة الفرنسية في السعودية لهجوم، حيث هاجم متطرفٌ الحارس الأمني للسفارة في محاولة دخوله إليها. وهكذا، عنفٌ وعنف مضاد، فتعامل الدولة مع هذا النوع من المشكلات كان بمثابة تحريض اضافي، وإضرام للنيران. في دولة مثل فرنسا، تدِّعي أنّها منارة للفكر، وشعلة للعلم والمعرفة الأوروبية الحديثة، كان الأولى أن تكون محراباً لاحترام الأديان والمعتقدات. فإيذاء المشاعر الدِّينية لجماعة ما يعدّ بذرةً للكراهية، التي بدورها تولد التطرف، الذي بالتأكيد ستكون له ردود أفعال، فالقانون الفيزيائي (لكل فعل رد فعل مساوياً له في المقدار، مضاد له في الإتجاه) يمكن إسقاطه إجتماعياً .
فما يحدث من أحداث محتدمة، ليست وليدة اللّحظة، بل كانت تُطبخ على مرّ السنين على نار هادئة، حتى غلت وانفجرت مراجلُها، هكذا دفعة واحدة.
فكُلنّا يذكرُ صورة امرأةٍ كانت على شواطئ فرنسا، ترتدي زيّاً إسلاميّاً، وكيف أنّها أُجبرتْ على خلع زيِّها في إهانة واضحة لكرامتها كإنسانة، وقد دافعت السُلطات الفرنسية عن هذا الفعل؛ باعتبار أنّ فرنسا دولة علمانية لا يسمح فيها بإرتداء زي ديني!. لكنّ العلمانية تعني احترام الأديان جميعها، لا محاربتها.
وصورٌ كثيرة لتفجيرات، ونيران، ودماء منتشرة، وسلطاتٌ أمنية تعتقل، وصحفٌ تسخر من ديانات، و قوانينٌ مقيّدةٌ للحرِّيات، كُلّها ركلاتٌ نارية عبثية، متداولة في مرمىً ضيّق، واليوم تُحصد نتائجها.
يجب أنْ تكون هناك مراجعة صادقة وجادّة لفكرة وجود العنف في مجتماعتنا، و تعاطينا مع المسألة بطريقةٍ اعتياديِّة، تمثلُ أرضاً خصبةً للأفكار الإرهابيِّة؛ فحقيقة أنّ العنف ثقافةٌ منتشرة في مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن إنكارها.
أعلمُ أنّه حلم، وأنّ التّطرف قد غزا العالم، لكنِّي أحلمُ بأنّ تكون مسؤولية الكلمة لها قدسيتها، لا أن تُطلق الكلمات كالسهام لتُغرس في قلب دين أو مِلّة، وأنّ مسؤولية احترام الآخر، والإعتراف بحقّ أن يقول ويعتقد ما يشاء، واجبٌ و ليس مِنحة .
أحلمُ أن يفهم الجميع أنّك إن قتلت شخصاً ما، فإنّك لن تنصر دينك، لكنّك تنصر شيئاً ما نرجسيّاً داخلك، يقول لك انتقم لإحساسك الزائف بأن كرامتك قد اُستبيحت.