اخرى

بين فرجينيا وكوريا الشمالية.. ليس لترامب وقت للانشغال بسوريا

 

بقلم: عاموس هرئيل

بصعوبة كانوا هنا والآن اختفوا. خلال ست سنوات ونصف من الحرب الاهلية في سوريا، قامت الولايات المتحدة باستخدام قوات برية مقلصة على اراضي الدولة المقسمة، وهذا لفترة قصيرة نسبيا. لقد قام الامريكيون بنقل السلاح الى المتمردين الذين حاربوا نظام الاسد، والذين عرفوهم كمعتدلين، ونظموا لهم معسكرات تدريب في الدول المجاورة وقاموا بتشغيل غرفة عمليات في الاردن من اجل تنسيق العمليات العسكرية، واحيانا قاموا بارسال طواقم صغيرة من الوحدات المختارة لمساعدة المتمردين.
لقد تم فعل ذلك بصورة مقننة، بصورة لم تؤثر بشكل كبير على مجريات الحرب. ولكن منذ نهاية العام 2014 فصاعدا غيرت الولايات المتحدة سلم أولوياتها. سلسلة الاحتلالات المفاجئة لتنظيم داعش (الدولة الاسلامية) وخاصة نشر عدد من الاشرطة الفظيعة التي وثق بها قتل مدنيين غربيين، أقنعت ادارة اوباما على تركيز جهوده على الحرب ضد المتطرفين الجهاديين.
نظام الاسد لم يخلق داعش. في الحقيقة، جذور التنظيم موجودة في سلسلة الاحداث التي كانت بدايتها الاحتلال الامريكي للعراق في 2003، باخراج حزب البعث خارج القانون، مع اسقاط نظام صدام حسين وتفكيك جيشه، الذي ترك آلاف الضباط السنيين بدون رواتب. ولكن التغير الامريكي في النظر لداعش ساعد على انقاذ النظام السوري. الهجمات الجوية الكثيفة للتحالف الدولي الموسع الذي بلوره الرئيس براك اوباما، كبحت تقدم التنظيم وساهمت ايضا في اضعاف فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة. بعد مرور ثلاث سنوات داعش لم يهزم بصورة نهائية، وهو ما يزال يتمترس حول مدينة الرقة، عاصمة الخلافة التي أعلن عنها في شرق سوريا. في المقابل، النظام في سوريا وبمساعدة القصف الجوي العنيف الذي نفذه سلاح الجو الروسي على منظمات المتمردين، صمد، بل أعاد سيطرته بصورة ناجعة جدا على حوالي 30 في المئة من اراضي الدولة.
اليوم تقوم ادارة ترامب باستكمال التحول الذي بدأه اوباما. الهجوم العقابي الذي أمر به الرئيس ترامب ضد قاعدة سلاح الجو السورية في حمص ردا على استخدام السلاح الكيميائي في نيسان الماضي، لم يشكل حتى الآن الانتقال الى سياسة أكثر نجاعة. الامريكيون أوضحوا أنه ليس في نيتهم البقاء في سوريا بعد سقوط الرقة. في نهاية شهر تموز الماضي كشفت “واشنطن بوست” أن الرئيس قرر وقف برنامج تزويد السلاح للمتمردين. وهذا القرار لا ينقصه المنطق. النظام المتشعب للتحالفات المحلية بين المتمردين المتطرفين والأقل تطرفا، لم يُمكن الاستخبارات الامريكية من التأكد من أن الوسائل القتالية لن تصل الى أيد غير صحيحة، أو منع اعمال قتل ضد مدنيين يؤيدون النظام.
لكن الخطوة التي قام بها الرئيس تتساوق مع مقاربة أوسع. يصعب الحديث عن سياسة ترامب في أي مجال كان، لكن في هذه الاثناء يبدو أن الادارة الامريكية تقلص اهتماماتها، وبدرجة ما ايضا في نشاطاتها العسكرية في الشرق الاوسط. إن تهديد كوريا الشمالية المهووس يبدو في نظر واشنطن مشكلة ملحة أكثر، وترامب منشغل في عدة مشكلات داخلية، التي افتعلها في معظمها هو نفسه، بدء من التحقيق في علاقته مع روسيا وحتى رده المتملص في هذا الاسبوع على العنف النازي الجديد في فرجينيا.
بسام بدارين، المحلل المقرب من المخابرات الاردنية، كتب في هذا الاسبوع في صحيفة “القدس العربي” أن مليشيات درزية وقبائل بدوية في جنوب سوريا، قام الاردن بتسليحهم وتدريبهم كي يكونوا درع واق متقدم في وجه النظام وفي وجه داعش، تلقت توجيهات بعدم التشويش على حركة الجيش السوري والمليشيات التي تؤيد نظام الاسد. وأضاف بدارين أن الاردن قلق من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة ومن التواجد المتزايد للمليشيات الشيعية قرب حدوده.
هذه التطورات التي تقلق ايضا اسرائيل، فانهم في القدس يخشون من وجود تواصل جغرافي بتأثير ايراني من طهران ومرورا بمركز العراق وشرق سوريا وانتهاء بدمشق وبيروت. إن العائق الاساسي الذي يعترض محور الحركة الرئيسي هذا يوجد حول المدينة السورية طنف، المحاذية لمثلث الحدود مع الاردن والعراق. الامريكيون والبريطانيون أنشأوا هناك قاعدة كبيرة، دربوا فيها المليشيات المرتبطة بهم، وعلى رأسها قوات كردية. ولكن ليس من الواضح الى متى ينوون البقاء.
في نفس الوقت فان دخول وقف اطلاق النار بين المتمردين وقوات النظام في هضبة الجولان الى حيز التنفيذ مكن النظام من ضخ قواته الى المنطقة، ومن بينها ايضا مليشيات شيعية. هذا هو التطور الذي حذرت منه اسرائيل الامريكيين والروس، عشية التوقيع على الاتفاق في شهر تموز، بدون آذان صاغية. واذا استمر التوجه الحالي فان معنى الامر هو أنه سيكون لايران سيطرة عسكرية حقيقية على حدود اسرائيل الشمالية، في لبنان بواسطة حزب الله وفي سوريا عن طريق المليشيات الشيعية، بدعم خبراء ورجال استخبارات من قوة القدس التابعة لحرس الثورة الايراني.
هذا الاسبوع نشر في “هآرتس″ عن سفر وفد رفيع المستوى من جهاز الاستخبارات الى واشنطن، برئاسة رئيس الموساد يوسي كوهين، لبحث الوضع في جنوب سوريا، لكن احباط اسرائيل من الامريكيين بعيد المدى ويتجاوز حدود سوريا. وهو يمس بموقف ادارة ترامب من ايران. رئيس الموساد كوهين عرض في هذا الاسبوع أمام الحكومة توسع تأثير ايران في سوريا والعراق واليمن. ونتنياهو في خطابه في أسدود قال “داعش خرج وايران دخلت. ونحن نعارض بشدة وجود ايران وملحقاتها العسكري في سوريا، ونحن سنقوم بكل ما يلزم من اجل الحفاظ على أمن اسرائيل”.
يبدو أن ترامب أقل اهتماما. صحيح أن الرئيس صادق على عقوبات جديدة ضد ايران في الشهر الماضي على خلفية مشروع الصواريخ البالستية الخاص بها، وتزويد المنظمات الارهابية بالسلاح. ولكن بقدر ما نستطيع أن نفهم ترامب، فانهم في اسرائيل يقدرون بأنه في هذه الاثناء ليس في نيته التصادم مع طهران، وأن معظم اهتمامه موجه نحو النجاح في الحرب ضد داعش، وبعد ذلك سحب القوات الامريكية من المنطقة.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى