رأي

ثرثرة على مقهى الكلب هاوس

بقلم: بتول المسلمي

بَدَأَ التطبيق تحديدًا في أبريل 2020، كان التباعد الاجتماعي مفروضاً في كل أنحاء العالم، لمواجهة تفشي فيروس كورونا والحد من انتشاره .
كان وقتًا عصيبًا، نسِيَ الناس فيه كيف يصافحون بعضهم، حُرِمَت أجسادهم من الاحتضان، وأعينهم من اللقاء. حلَّ الخوف والهلع محل أي مشاعر إنسانية، سيطر السكون على شوارع أكثر المدن ازدحامًا، ملأ الحزن المستشفيات ومراكز العلاج، كان وقتًا عصيبًا حقًا.
لم يجد الناس ملجأ، غير السوشيال ميديا للتقرب من بعضهم البعض، فمكالمات الفيديو لقيت رواجًا كبيرًا وقتها، حتى الأعمال التي يمكن أن تُنجز من خلال الوجود في المنزل، وجد أصحابها في تطبيقات مكالمات الفيديو غُرَفًا مُغْلقة للاجتماع ومناقشة تفاصيل العمل، والخروج بنتائج مجدية بعض الشيء.
لكن الكلوب هاوس مختلفًا، ينشط حاليًا أكثر من أي وقت مضى، وإقبال مستخدمي الأندرويد عليه بعد أن أُتِيح لهم البرنامج لتنزيله يُكَثِف من هذا النشاط .
لطالما كانت تَجْذبني فكرة أن تُثرثِر مع أحدهم، في مقعد الحافلة الذي بالقرب منك، أو في كرسي الانتظار وأنت تنتظر دورك لإجراء معاملة بنكية، أو في أي مكان لا تتوقع فيه مصادفة شخص تعرفه حقًا، تجذبني عمومًا فكرة أن تتحدث مع شخص تعرفه بالكاد .
فالثرثرة نفسها كفعل إنساني، وسيلة لتفريغ الضغط النفسي، ونشاط ممتع يمكن له أن يكسر حواجز الملل، ويحررنا من المشاعر السلبية المكبوتة بمشاركتها مع الآخرين .
يمكن اعتبار الكلوب هاوس كمقهى، لكن بشكل أكثر تنظيمًا يتداول فيه المرتادون النقاش، حيث يقوم مدير الغرفة بإنشائها وله خيار اختيار اسم أو عنوان يتم النقاش حوله، وله أحقية أن يمنح أي مستخدم موجود في الغرفة حق المداخلة وإبداء الرأي، كما يمكن لهذا المستخدم أن يطلب حقه في التحدث عبر رفع يده إسفيريًا، ويُتاح له التحدث بعد فتح المايكرفون الخاص به .
ليس هناك شكل من أشكال التواصل غير الكلام والاستماع، لا نص ولا صورة ولا فيديو، وهذا بذاته ميزة، حيث إنه يمكنك ممارسة نشاطاتك الحياتية الأخرى وأنت تستمتع أو تتحدث، ثمَّ أنَّ الغرفة الواحدة قد تتسع حتى استيعاب (5000) شخص، ويمكن إدارتها بواسطة عدة أشخاص .
بالنسبة لنا كسودانيين الأمر بدا أكثر خصوصية، حيث أنَّ الكلوب هاوس يمثل ناديًا نجتمع فيه نتشارك مشاكلنا المجتمعية، نتناقش قضايا الاقتصاد والسياسة، إنَّه بمثابة منصة تفاعلية، نحكي فيها همومنا ونتبادل خبراتنا وتجاربنا الحياتية المختلفة، لقد أتاح الكلوب هاوس للجميع أن يبحثوا في اهتماماتهم المختلفة، وعزَّزَ فكرة أن يعبر الإنسان عن نفسه، أن يقول ما يدور بخلده دون مراجعتِه، فالأمر يتم في نفس اللحظة التي تنطق فيها ما تفكر فيه، لن تقوم بأرشفته ولا الاحتفاظ بنسخة من حديثك أو حديث غيرِك.
لقد انتقل النقاش في صفوف البنزين والأفران، إلى منصة كبيرة جدًا، فيها تمثيل نوعي من كل فئة، صغارًا وكباراً، نساء ورجالاً، لكن يمثل الشباب المتعلمون الفئة الأكبر والأقوى وجودًا على غرف التطبيق.
المثير للجدل أنَّ الكلوب هاوس لا زال يمثلُ نادِيًا نخبويًا، لقد بدأ منذ إنشائه على فكرة النخبوية، حيث كان محصور الاستخدام على رجال الأعمال والسياسة والمشاهير في العالم. كانت تأتيهم دعوة خاصة من التطبيق للانضمام إليه، ثم توسع وأصبح بإمكان مستخدمي آيفون دخوله، لكن بشرط دعوتهم من قبل أحد مستخدمي البرنامج.
يحذر بعض التقنيين من مسألة الخصوصية في التطبيق، إذ يمكنه الوصول إلى جهات الاتصال الخاصة بك، ولن تتمكن من منعهم من متابعتك .
عمومًا ينظر الجميع للكلوب هاوس كبرنامج تفاعلي مستقبلي، حتى الآن يقدم لمستخدميه عرضًا مغريًا نجح في استقطابهم تمامًا، وهو التحدث بكل حرية دون الخوف من إحجام وجودهم عليه كما يفعل فيسبوك مثلًا، والذي تتحكم قواعده الصارمة في ما تتم كتابته أو تداوله من صور وفيديوهات، وتمارس رقابة مُقيِدة على المحتوى في منصته الرقمية.
نأمل أن تستمر هذه الميزة، وأن يستطيع التطبيق مراوغة الرقيب وتجاوز قبضته القوية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى