علاء الدين محمود

ثمن العصيان

 

علاء الدين محمود

القيادي المدني المستقيل من أكبر الحركات المسلحة، كان يلاحق أحد الجنرالات في قروب في الواتساب:”وانتو مالكم ومال العصيان، مش أنتو حركة مسلحة”، والحقيقة أن قادة الحركات المسلحة لم يتركوا العصيان ولا العاصين في حال سبيلهم، دخلوا قروبات العصيان وشكلوا من عندهم لجاناً لها، وفرقوا ما بين “الادمن”، وأخيه حتى ألمت العواصف بالقروبات، وعلى الأرض كان كل من “جيمي كارتر” الرئيس الأمريكي الأسبق وصاحب مركز كارتر للسلام، وثابو أمبيكي، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، رئيس آلية الوساطة الإفريقية يزرعان أرض السودان جيئة وذهاباً، أما القوى السياسية المعارضة جهة نداء السودان، فقد رأت في الموقف رصيدا تفاوضياً جيدا، والمحصلة أن الكل وفوقهم المجتمع الدولي قد وجدوا في حالة العصيان المدني التي انتظمت البلاد، فرصة جيدة للدفع بعملية التفاوض الحواري من أجل الوصول لتسوية سياسية، لقد أرادوا لهذا الرفض العظيم أن يشكل رافعة صلبة من أجل التفاوض بين الحكومة ومعارضيها المدنيين والعسكريين

لكن فيما بدو أن الفطنة التي ظلت تخونهم على الدوام قد خانتهم هذه المرة أيضا ، فالعصيان المدني قد عبر عن قوة رفض جبارة لكل الخيارات الموجودة، كان تمرد على ما ظل سائد في حكم السودان، وفي سبتمبر 2013، عندما اندلعت أقوى  المواجهات مع الحكومة، تلك التي راح ضحيتها عدد لم يحصى حتى الآن من الشباب، كان موقف القوى السياسية تجاهها ملتبساً جداً، فهي تريد التغيير لاشك، لكن ليس عبر الفعل العنيف، لأن ذلك من شأنه أن يتجاوزهم في خيارات ما بعد سقوط الحكومة، نحو بناء ثوري جديد ينقض على كل ما هو سائد، فعمدت بعض هذه القوى على فرملة الفعل الثوري والاستفادة من ما يسفر عنه، أي في انتظار ثمن الدماء، فكان الانفتاح على الفعل التفاوضي الذي وضع خارطته كارتر، وصدق رؤاه الرئيس البشير في ما عرف بخطاب الوثبة، وعندما جاء العصيان المدني محمولاً على صفحات شباب صغير في الفيس بوك، وجدوا مرة أخرى فيه رصيد تفاوضي جيد من أجل اقتسام السلطة مع النظام الأكثر دموية في تاريخ السودان، لا تفكيكه ونفيه

فالموقف الان هو أن الجميع يريد للعصيان أن يشكل رافعة للتفاوض مع الحكومة، بينما لا يرى كثير منهم سحابة الثورة التي تلوح في الأفق، ثورة سيقوم بها الجياع في المدن أولاً، وبينما يغرق هؤلاء وأولئك في لذة تصور إقتراب التسوية، نجد أن الحكومة تمضي في سياستها الإقتصادية المهلكة تماما، فوزير المالية لازال يصرح بأنهم يمضون في طريق تحرير كل السلع، وزيادة أسعارها، وليس أمامه سوى أن يفعل ذلك كدين مستحق لمقابلة خارطة طريق يتجاوزها الجميع وهي الخارطة التي وضعها صندوق النقد الدولي الذي يرى في النظام السوداني أفضل نظام يطبق وصفاته المشؤومة

وبالمقابل فإن بعض القوى السياسية المعارضة خاصة في “المعارضة الرسمية”، لا ترغب في حلول ثورية، فهي ترى أن ذهاب النظام من شأنه أن يخلق حالة من الفوضى الكبيرة، بالتالي فإن البديل المطروح لديها هو الهبوط الناعم الذي يحافظ على مكتسبات الطبقة التي تشكلت منذ خروج المستعمر، وأي تغيير ثوري أو تفكيك للنظام القائم يهدد مركزيتها المكتسبة تاريخياً، وبالتالي فإن التسوية تضمن استمرار هذه المركزية القديمة، وتحافظ على شكل الدولة القديم، فوجدت في سبتمبر والعصيان المدني الحالي ورقة ضغط كي تستمر الحكومة في طريق الحوار المحروس بالعناية والرعاية المكفولة من قبل المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي، لكن كل ذلك لن يشكل ضماناً من ثورة الجياع القادمى، ثورة لن تستطيع المعارضة المسجلة أن تفرملها كما حدث في سبتمبر، ولا أن تحملها قميصاً للتفاوض كما حدث مع العصيان المدني

زر الذهاب إلى الأعلى