رأي

جمعة حراز يكتب: المثلث الحدودي.. حينما تتحول الجغرافيا إلى نقطة انطلاق للإنسانية والأمن الإقليمي

في لحظة فارقة من تاريخ السودان الحديث، تبرز قوات الدعم السريع كقوة وطنية وإقليمية تحمل على عاتقها مسؤولية ليست عسكرية فحسب، بل أخلاقية وإنسانية، تعيد تعريف مفهوم السيطرة الميدانية، من أداة قمع إلى جسر للعون، ومن ساحة صراع إلى معبر إنقاذ.
إن سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة المثلث الحدودي لم تأتِ بوصفها انتصاراً عسكرياً فحسب، بل كشفت عن تحول نوعي في رؤية هذه القوات لموقعها ودورها، وهي تعلن – بوعيٍ ومسؤولية – استعدادها الكامل لفتح المعبر الحيوي أمام قوافل المساعدات الإنسانية، التي طال حرمان أهل دارفور وكردفان منها بفعل سياسات العقاب الجماعي التي ينتهجها جيش الحركة الإسلامية، الذي لم يتورع عن استخدام الغذاء كسلاح ضد المدنيين الأبرياء.

هذا الإعلان ليس مجرد خطوة لوجستية، بل هو بيان موقف أخلاقي وسياسي يعيد تموضع قوات الدعم السريع كدرعٍ يحمي الضعفاء، ويصون كرامة الإنسان السوداني، ويمد يد التعاون إلى منظمات الإغاثة الإنسانية الإقليمية والدولية، دون تمييز أو انتقام.
بل تمضي القوات أبعد من ذلك، حين تربط سيطرتها على المثلث الحدودي بمسؤولية أوسع، تتعلق بمحاربة الجريمة المنظمة، وتأمين الحدود، وتطهير المعبر من الممارسات التي حولته – طيلة سنوات – إلى ممر لعصابات المخدرات والاتجار بالبشر والسلاح، في ظل صمت رسمي وغياب دولة القانون. واليوم، تُعلن قوات الدعم السريع أنها لن تسمح بأن تظل الحدود بوابة مفتوحة للفوضى والتهديد الإقليمي، بل ستكون حامية لها، بالتنسيق مع دول الجوار، لحماية الشعوب لا تهديدها.

ليس غريباً أن تدرك قوات الدعم السريع القيمة الاستراتيجية والاقتصادية لمنطقة المثلث، لا من زاوية الجغرافيا فقط، ولكن بوصفها محوراً إقليمياً للتنمية والتجارة والتكامل، مما يُبرز بُعداً جديداً في تفكير هذه القوات، يتجاوز المعركة إلى البناء، ويتجاوز الاشتباك إلى الشراكة من أجل الأمن الإنساني المشترك.
في واقع تتداخل فيه المآسي مع المؤامرات، تقف قوات الدعم السريع على جبهة جديدة، جبهة الكرامة والواجب الوطني، وهي تضع إمكاناتها في خدمة المدنيين، وتحمل رسالة إلى الداخل والخارج: لن نترك إنسان دارفور وكردفان ضحية التجويع والترويع. لن نسمح بأن تظل حدود بلادنا ساحة عبور للفوضى، وسنكون حيث تقتضي الواجبات الأخلاقية لا حيث تُخطط أجندات الخراب.

إن الشعب السوداني، الذي عانى طويلاً من ويلات الإهمال والتسييس، يجد اليوم بارقة أمل حقيقية في هذا الموقف المسؤول لقوات الدعم السريع، موقف يعيد صياغة العلاقة بين القوة والرحمة، بين الأمن والكرامة، بين السيادة والانفتاح الإنساني.
معاً نحو وطن آمن، كريم، متكامل، ترعاه قوة تعرف أن النصر الحقيقي يبدأ حين لا يجوع طفل، ولا تُغتصب كرامة إنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى