
كان حدثاً مشحوناً بالدم والدّمع والشائعات، في يومٍ مثل هذا توشّحت الخرطوم بالأحمر، هتفت الجماهير تأييداً للحركة التصحيحية: (الخرطوم ليست مكّة).. و(كل السُلطة فى يد الجبهة)..
بعد ثلاثة أيام فشلت الحركة، فأصبحت (كل الجبهة فى يد السُلطة)..!
طالت الاتهامات الشيوعيين باقتراف مذبحة بيت الضيافة، لكن الضابط فقيري، وهو ضابط بالحرس الجمهوري، كان في الخدمة ليلة المجزرة، أدلى برواية تنفي مسؤولية قادة 19 يوليو عن ما حدث ببيت الضيافة..
هرب عبد الخالق من معتقله بسلاح الذخيرة قبيل الانقلاب وتم تأمينه عند أقرب نقطة من (العدو).. كان تأميناً على مستوى عالٍ بمنزل الرفيق أبو شيبة.. قيلَ أن الزعيم كان يسمع حشرجة حلق النميري!
الهروب الأسطوري لعبد الخالق، ومن قبله خرقه البرتكول في لقاء جماهيري ببرِّي، جعل النميري يثأر لكرامته.. قبيل الهروب سرت شائعة تقول إن النميري يريد تسميم عبد الخالق.. عبد الله علي إبراهيم، الذي يصف نفسه بـ( تلميذ عبد الخالق ، الإسلاموي الماركسي) قال إن تلك الشائعة سرت بكثافة داخل أروقة الحزب وفي الشارع.. لم ينف أن عبد الخالق كان مستهدفاً، لكنه ــ عبد الله علي إبراهيم ــ يقول إن شائعة تسميم الزعيم، ربما اختلقتها عسكرتاريا الحزب من أجل شحذ الرفاق، نحو تأييد الحركة التصحيحية.
المفكر السوداني أبو القاسم حاج حمد يرى أن الوضع السياسي حينها، لم يترك لعبد الخالق غير الإنقلاب المضاد، ولربما فعلها خشية استفحال التدهور داخل حزبه، بعد أن انخرطت أغلب كوادره داخل النظام.. محمد علي خوجلي يبريء عبد الخالق من تهمة الضلوع في الإنقلاب، ويقول إن عبد الخالق بعث برسالة في يونيو 1971، أي قبل تحريره/ هروبه بأيام قليلة يقول نصها: (إن روح الاستسلام الناتجة عن انتصار الثورة المضادة، تعلن أن الطريق للحركة الثورية أصبح مقفولاً.. ومن نفس الموقع تنمو الاتجاهات اليسارية التي تبشر بأنه لا مكان للنضال الجماهيري، ولا أمل من ورائه، وكل ما تبقى للثورة هو أن تنكفيء على نفسها وتقوم بعمل مسلح.. ومثل هذا الخط يمكن أن يستهوي في الواقع العناصر السياسية التي لم تتمرّس بعد بالنضال الثوري)..
أي أن عبد الخالق كان يُدرك تحرك العسكريين داخل الحزب، لكنه لم يكن على وفاق معهم.
عندما أصبح الانقلاب حقيقة واقعة، تصدى عبد الخالق لمسئولياته كقائد، فلم يتردد في التعاطي مع الانقلاب باعتباره (جِنَازة بَحَرْ)..! غض النظر عن موقفه من الإنقلاب.. من هذا الأصلع الذي شوهدَ وهو يقدل في مهرجان المشانق، من هذا الصاعَد للرفيق الأعلى، هادئاً أمام الموت وعاديّاً تماما؟
ولد عبد الخالق محجوب عثمان في22 سبتمبر1927. حوكم بعد انقلاب هاشم العطا أمام محكمة عسكرية قضت بإعدامه.. نفذ فيه الحكم يوم 28 يوليو 1971.
آمن محجوب في كتاباته بأن (الفكرة الشيوعية تدعو في نهايتها إلى الاشتراكية حيث يمّحي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان)، وبأن الشعب السوداني سيصل إلى المجتمع الاشتراكي بطريقته الخاصة ووفق تقاليده.
من أقواله: (هل صحيح أن الفكرة السياسية الشيوعية في السودان تدعو لإسقاط الدين الإسلامي؟ كلا، إن هذا مجرد كذب سخيف.. إن فكرتي التي أؤمن بها تدعو إلى توحيد صفوف السودانيين ضد عدو واحد هو الاستعمار الأجنبي، وبهدف واحد هو استقلال السودان، وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق أمانيه، فأين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي)؟.
آخر لحظة