رأي

خالد عبيد يكتب: الحكم الثنائي الإسلاموي الإرهابي المصري في السودان 

مصر عرابة الإبادة الجماعية التي تمارسها دويلة 56 ضد حواضن الدعم السريع.

على مر التاريخ، ظلت مصر هي البوابة التاريخية التي يلج عبرها الاستعمار إلى السودان. (انظر الحكم التركي المصري في القرن التاسع عشر والحكم الثنائي الإنجليزي المصري ما بين 1898-1934م، بروفيسور M.W.DALY  أم دبليو  دالي).

 “فلا خير يأتي من مصر للسودان والسودانيين”، لعل هذه  المقولة  تشكل قناعة راسخة تتجذر في رؤوس  كثير من السودانيين حتى الذين دفعت بهم الحرب للجوء إلى قاهرة المعز مؤخرًا، فما أن حطت رحالهم “أرض  الكنانة”، فسرعان ما توزعتهم العواصم الأفريقية مثل كمبالا ونيروبي وأديس أبابا، فلم يطب لهم المقام في “أرض الكنانة” بسبب تنامي الوعي وتكشف أحابيل وحيل ومكر مصر الرسمية. 

مصر الرسمية هي دولة بلا وازع أخلاقي أو ضمير، لأن المحرك الأساسي لدوافعها في التدخل في الشأن السوداني هو مصلحي/ اقتصادي في المقام الأول، وما تهجير أهالي حلفا وإغراق الأهرامات السودانية وحضارات السودان بأمر بعيد.

يرى كثير من المحللين السياسيين أن التدخل المصري السافر في الشؤون السودانية حتمه فقر مصر الاقتصادي؛ فظلت تاريخيًا هي البوابة التي يلج عبرها الاستعمار بحثًا عن المال والرجال والذهب في السودان. بيد أن التدخل السياسي الحديث بشكله القبيح بدأ وقتما أنشأت مصر السد العالي وأجبرت الحكومة السودانية على ترحيل أهل حلفا إلى البطانة في شرق السودان في منطقة خشم القربة قبل شهر يوليو 1964م.

أما تدخل مصر في الشأن السوداني مؤخرًا، أوجزه المفكر الدكتور النور حمد، حين قال إن مصر ظلت باستمرار ضد ثورة ديسمبر المجيدة منذ اليوم الأول، وهي التي هندست فض اعتصام القيادة أي العقل المدبر (master mind) لهذه الجريمة البشعة -أسوة بمجزرة رابعة العدوية-، ومصر هي التي قامت بهندسة مجموعة الوفاق الوطني والسفير المصري كان حاضرًا. ويعزي دكتور النور حمد هيمنة مصر على السودان لخضوع ورضوخ السياسيين السودانيين وانصياعهم التام للإرادة المصرية، وهذا ما تبحث عنه مصر، أي تريد عملاء سياسيين في السودان.

قرائن الأحوال تؤكد بما لا يدع مجال للشك، أن حرب 15 أبريل،  التي ما زالت تدور رحاها إلى يوم الناس  هذا، بسبب مصر الرسمية التي تقف من ورائها تخطيطًا وإعدادًا وإخراجًا. إذ أعدت المسرح جيدًا بتوفير العتاد الحربي من طيارين وطائرات ومدفعية ثقيلة وراجمات، بالإضافة إلى المدرعات، ولعل مصر قد بالغت في تقدير قوتها وقوة الإرهابيين الاسلاميين بالسودان (جيش 56 في نسخته الإسلاموية).

وتأكيدًا لصدق تورط مصر في حرب السودان ودعمها للإسلاميين الإرهابيين بالسودان، هو أن استخبارات الدعم السريع قامت بإلقاء القبض على عدد مقدر من الخبراء العسكريين المصريين وفنيي مسيرات وطيارين في بداية الحرب بمطار مروي، ما يؤكد تورط مصر العسكري في دعم الإرهابيين ومحاولتها تثبيط إرادة الشعب السوداني والتغول على التحول المدني الديمقراطي الذي ينشده الشعب السوداني.

يقدر عدد من الخبراء المهتمين بالشأن السوداني والمحللون السياسيون، أن جملة الخسائر والدمار الذي لحق بالبنية التحتية السودانية في السودان إلى لحظة كتابة هذا المقال، بما يربو على الـ(150) مليار دولار إثر الغارات الجوية التي شنها الطيران المصري على مكتسبات ومقدرات الشعب السوداني -ولعل  هذا التقدير يستثني الإبادة الجماعية التي تتعرض لها حواضن الدعم السريع بقصف الطيران المصري الممنهج. وبالتالي، على مصر الرسمية أن تتحمل المسؤولية كاملة تجاه هذه الخسائر الفادحة في البنية التحتية السودانية وحصد أرواح المدنيين الأبرياء (Egypt should not get away with it). ولعل أي حكومة مدنية ديمقراطية رشيدة تأتي بعد الحرب، لن تترد في شكوى مصر للأمم المتحدة وحملها على دفع مستحقات السودانيين كاملة غير منقوصة.

تشير شواهد عديدة إلى انهيار الاقتصاد المصري نتيجة للحرب الدائرة واعتمادها الأساسي على سرقة موارد السودان، إذ تذهب الصحف الإقليمية والدولية إلى أنه “بعد حوالي 4 أشهر من قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف، عاد الجنيه للانخفاض أمام النقد الأجنبي، إذ سجل الدولار 49.5 جنيه في تداولات مطلع هذا الأسبوع، بعد أن استقر خلال الشهور الماضية عند 47 جنيها. وتسبب الانخفاض الجديد للجنيه المصري في طرح تساؤلات عن الأسباب، وما إذا كان التراجع سيستمر بوتيرة أكبر قد يسجل معها الدولار أرقامًا أعلى على نحو شهدته السوق الموازية قبل تحرير سعر الصرف”. (الحرة 5 أغسطس 2024م).

فضلًا عن سوء تقديرات مصر، لقد مولت الحرب الدائرة في السودان لتثبيت أركان الإرهابيين الإسلاميون بالسودان حتى يتسنى لها سرقة موارد السودان، وهذا جزء من دور مصر التاريخي تجاه ورثة الاستعمار الذين لا يساهمون في إجمالي ناتج الإنتاج المحلي، مقابل أن تبقيهم في سدة الحكم نظير السلطة للنخب الموالية.  ومصر بدورها تقوم بتوفير  الحماية العسكرية لعملائها من النخب السياسية السودانية.

ولعل مخازي مصر الإقليمية والدولية لا تحصى ولا تعد، إذ رشح في الأخبار أن مصر دعمت روسيا بعتاد حربي وبعض الذخيرة في مستهل الحرب الروسية الأوكرانية، مما أغضب الإدارة الأمريكية. فضلًا عن تحايل مصر برشوة السيناتور بوب مينديز – أدين السيناتور الديمقراطي من ولاية نيوجيرسي بـ 16 تهمة بما في ذلك الرشوة والابتزاز والاحتيال وعرقلة العدالة والعمل كعميل أجنبي لدوره في مخطط رشوة استمر لسنوات. ونجح ممثلو الادعاء في الدفع بأن السيناتور حاول استخدام سلطته لتعزيز المصالح العسكرية المصرية، والتدخل في الملاحقات الجنائية، وتأمين الاستثمار من مسؤولين قطريين، من بين أمور أخرى. ويُزعم أن مينديز وزوجته تلقيا سبائك ذهبية ومئات الآلاف من الدولارات نقدًا وسيارة مرسيدس ورشاوى أخرى مقابل نفوذه. وأُدين المتهمان مع مينديز، رجلي الأعمال من نيوجيرسي، وائل حنا وفريد ​​دعبس، بجميع التهم الموجهة لهما بسبب دورهما في المخطط. (الشرق الأوسط 16 يوليو 2024م).

وحتى تكفر مصر عن هذه الخطيئة (العسكرية اللوجستية)، استضافت القاهرة الشهر المنصرم قمة إسرائيلية إيرانية لمنع ضربة انتقامية في العمق الإسرائيلي. ولعل الهدف الجوهري من وراء هذه القمة هو خطب مصر الرسمية لود الإدارة الأمريكية، ومحاولة تبييض وجهها جراء موقفها المخزي من الحرب الأوكرانية/ الروسية، إذ قامت وزارة الدفاع المصرية بتزويد روسيا بالذخيرة.

يأتي كل هذا الحراك المصري الإقليمي والدولي في سبيل عدم التخلي عن ملف السودان، ولعل تصريح وزير الخارجية المصري بدر العاطي موخرًا شاهدًا آخر على تبرير مصالح مصر في السودان، وتاكيدًا لدعمهم للإرهابيين الإسلاميين بالسودان؛ فالقاصي والداني يعلم أن التمكين الإسلاموي منذ الثلاثين من يونيو 1989م قد قضى على المؤسسة العسكرية السودانية وحولها إلى مؤسسة إسلاموية إرهابية بامتياز، إذ طالب بدر عبد العاطي  الرئيس الأمريكي بايدن بأن “لا يضع الجيش السوداني في ذات الكفة مع بقية الأطراف”، وهو يعلم أن هذا الجيش الإسلاموي هو جيش إرهابي من الدرجة الأولى، وقد اختارت حكومة عبد العاطي بمحض إرادتها دعم الإرهاب والإرهابيين في السودان.

ظلت مصر مهدد للأمن الإقليمي والدولي لأنها تكيل بمكيالين (double standards) وتتبنى معايير مزدوجة في تعاطيها مع الشأن الإقليمي والدولي. وبخصوص الشأن السوداني، ارتكبت مصر جرائم في حق المدنيين السودانيين، على سبيل المثال لا الحصر، مصر شريك في جريمة ضرب المدنيين السودانيين في جنوب السودان وجبال النوبة ودارفور والجزيرة أبا. مصر كذلك هي الراعي الرسمي لجبريل ومناوي ممثلين في حركات الكفاح المسلح بدارفور، وما المدرعة (كشكش) مصرية الصنع بشاهد بعيد عن دعم مصر وتبنيها لحركات دارفور المتمردة.

تعدّ مصر مهددًا إقليميًا ودوليًا بتبنيها للجماعات الإرهابية بالسودان، والآن تسعى لتبني حركة الشباب الصومالي التي تعتبر خطرًا محدق بالأمن الإثيوبي. والأخطر من ذلك، رشح في الأخبار أن الإدارة الأمريكية تعتزم تقديم مساعدات عسكرية كاملة لمصر، حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن إدارة الرئيس جو بايدن أخطرت الكونغرس الأميركي، الأربعاء، ستقدم لمصر مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، وهي المرة الأولى منذ عام 2020 التي تتلقى فيها مصر المساعدات بكامل المبلغ الإجمالي رغم أوضاع حقوق الإنسان، بحسب “رويترز”.

وذكرت شبكة “سي أن أن”، الأربعاء، أن مصر اتُهمت بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن القاهرة كانت مفاوضًا رئيسيًا في المناقشات بشأن غزة، وهي حقيقة أشار إليها المتحدث في شرح قرار الإدارة بتوفير التمويل بالكامل. (الحرة 11 سبتمبر 2024م). 

 السؤال الذي يطرح نفسه، ترى هل ستمضي الإدارة الأمريكية في دعم مصر عسكريًا وهي تعلم مسبقًا   تهديدها للأمن والسلم الدوليين؟ ثمة حاجة ملحة إلى من يوقف مصر في حدودها ويرفع لها العصي بدلًا عن الجزرة، وأن تتحمّل مسؤوليتها كاملة تجاه ضحاياها الإقليميين. Egypt should be held accountable.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى