رأي

رأي- البرهان يقرأ من كتاب (الإخوان) ويتحول إلى (بلبوسي) كامل الأوصاف!

 عبدالرحمن الكلس 
بعد أربعة أشهر من حصاره داخل مبنى القيادة العامة، تمكن قائد الجيش (عبد الفتاح البرهان) من المغادرة، ما اعتبره البعض هروباً من ميدان المعركة، بينما اعتبره أنصاره الذين عزَت عليهم الانتصارات في أرض المعارك انتصاراً يستحق الاحتفال.

وحال خروجه توجه (البرهان) لتفقد جرحى المعارك، وكان أولهم جرحى كتائب (البراء بن مالك) التابعة لتنظيم الحركة الإسلامية – ومنهم قائد الكتيبة (المصباح أبو زيد) – الذين أصيبوا وهم يقاتلون إلى جانب الجيش في معارك الخرطوم. وانتقل (البرهان) إلى ولاية (نهر النيل) الآمنة، لتفقد قوات الجيش والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات فيها، قبل انتقاله إلى مدينة بورتسودان. ومن المقرر أن يتوجه إلى القاهرة اليوم – بحسب أنباء غير مؤكدة – لإجراء مباحثات مع الإدارة المصرية حليفته في حرب 15 أبريل التي دمرت البلاد وأطاحت بسير عملية الانتقال الديمقراطي.

اللافت للنظر هو خطاب قائد الجيش السوداني الذي ألقاه أمس الاثنين، الموافق للثامن والعشرين من أغسطس بعد وصوله إلى قاعدة (فلامنغو) البحرية العسكرية في بورتسودان، والذي أعلن فيه أن قواته ستستمر في القتال، نافيا أي اتفاق مع قوات الدعم السريع وقائدها، وذلك عبر قوله: (لا اتفاق ولا صفقة مع المتمردين).

خيبة أمل:

وكان (البرهان) قد وصل الأحد الماضي إلى مدينة بورتسودان بطائرة خاصة، وسط تفاؤل كبير من جماهير الشعب السوداني في أن يؤدي خروجه وحرية حركته إلى إنهاء الحرب التي أودت بحياة حوالي الخمسة آلاف من المدنيين حتى الآن – وفق إحصائيات لمنظمات دولية – وعدد لا يحصى من المتحاربين، مع نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص داخل السودان، أو إلى دول الجوار. إلا أن حرص قائد الجيش على زيارة جرحى مليشيات النظام البائد من لدن كتائب (البراء بن مالك)، بالإضافة إلى خطابه في قاعدة (فلامنجو) العسكرية، أصابت الكثيرين بخيبة أمل، لجهة أن (البرهان) وفي خطابه المذكور، أشار بوضوح إلى نيته الاستمرار في هذه الحرب التي وصفها هو نفسه في وقت سابق بـ(العبثية)، ما جعل معظم السودانيين يتنبؤون بمزيد من المعاناة في قادمات الأيام. خاصة وأن مظاهر انفراد الإسلاميين بالسلطة في مناطق سيطرة الجيش قد ظهرت للعيان بالفعل، وتخوف البعض من أن يعيد فلول (الحركة الإسلامية) السودان لعهدهم المُظلم، عهد العُزلة الدولية وتمزيق البلاد مرة أخرى، والتعذيب في بيوت الأشباح والقتل على أسس إثنية وجهوية، وإشعال الحروب بين مكونات السودان الاجتماعية.

التماهي مع فلول النظام البائد:

وتبنى (البرهان) في خطابه للعسكريين في القاعدة البحرية ببورتسودان خطاب الفلول بصورة واضحة وصريحة، فشكر من قاتلوا في صفوف الجيش، قائلاً: ” نحن بنقدر ونحترم الناس التقاتل معانا”، والجميع يعلم أنه لا يعني سوى كتائب (البراء بن مالك) الإرهابية التي قوامها من الدواعش والمتشددين الإسلاميين، والتابعة للحركة الإسلامية السودانية.
إذ أشار (البرهان) أنهم جزء لا يتجزأ من الجيش. ما يشير لأنه يضرب بعرض الحائط كُل المطالب الموضوعية بإصلاح الجيش، والنأي به عن الأيدلوجيا، وتفكيك تمكين نظام المؤتمر الوطني داخله. ما يُعارض ويُصادم – بصورة مباشرة – أهداف وشعارات الشعب السوداني وشعاراته التي عبر عنها في ثورة ديسمبر المجيدة، في ضرورة الوصول لجيش وطني مهني مُوحد، بأجندة وطنية تبتعد تماماً عن السياسة. ما جعل حديث (البرهان) بمثابة انحياز مُباشر، ولا لبس فيه، لأجندة حزبية غير وطنية (المؤتمر الوطني)، تستهدف المُحافظة على نفوذ التنظيم المقبور في الجيش، واستخدامه كعصا لضرب المعارضين. ولم يجد إنكاره لوقوع الجيش تحت تأثير النظام البائد أي صدىً في نفوس السودانيين ممن ظلوا يشاهدون عناصر التنظيم الإخواني وهُم يقاتلون في المعارك جنباً إلى جنب مع قوات الجيش. فضلاً عن تصريحات وبيانات حزب المؤتمر الوطني المحلول المُعلنة، والتي تؤكد أنهم ممن يتولون زمام الأمور اليوم، في مناطق سيطرة الجيش.

إشارات سلبية في خطاب البرهان:

ومن اللافت للنظر أن خطاب (البُرهان) في مدينة بورتسودان حفل بالكثير من الإشارات السلبية، والتي تؤكد أن الرجل ماضٍ في اتجاه التصعيد. حيث أشار لقوات (الدعم السريع) بالعدو، وعناصرها بالمرتزقة الوافدين من خارج الحدود، وبالغُزاة الذين غزوا (الخرطوم)، و(نيالا)، وبأن أخلاقهم لا تشبه أخلاق السودانيين. دون الإشارة لمُمارسات مليشيات النظام البائد المتحالفة معه، من قبيل اعتقال المواطنين وتعذيبهم وقتلهم لمجرد الاشتباه في تعاونهم مع قوات الدعم السريع، كما حدث في معتقلات سلاح المدرعات، أو على أساس إثني وعرقي كما حدث لكثير من أبناء قبيلتي المسيرية والرزيقات وأبناء الكثير من قبائل غرب السودان في ارتكازات الجيش، وفي بيوتهم وأماكن عملهم. وكما حدث لأبناء قبيلة الرشايدة في شرق السودان أول أمس، أو للعاملين في المخابز بأمدرمان، وحوادث اغتصاب الفتيات بأمدرمان ومحاولة إلصاق التهمة بـ(قوات مالك عقار) غير الموجودة أصلاً على أرض الواقع، وذبح أسرى الدعم السريع العُزل – كما أظهرت الفيديوهات التي نشرتها غرف الفلول الإعلامية بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي.

البرهان يتبنى خطاب الفلول والبلابسة:

وختم البرهان خطابه بتبنيه خطاب الفلول والحركة الإسلامية (بل بس)، وأكثر من وعوده بقرب إنهاء (التمرد)، وتبشيره بأن النصر آت، وأنه سيكون نصراً ساحقاً – في إشارة لنيته إنهاء الحرب عن طريق الأعمال العسكرية لا غير- وإعلانه عن احترامه لمليشيات النظام البائد التي قاتلت إلى جانبه في الحرب، وقوله بأنه سيستمر في القتال حتى آخر جندي. وكذلك وصفه للقادة السابقين في الجيش والمناهضين للحرب بأنهم محض (مخرفين)، وبأن قواته تعيد التموضع لإنهاء التمرد، وبأن الحرب ستنتهي بانتصار القوات المُسلحة.
وقال مراقبون انهم أصيبوا بخيبة أمل من خطاب البرهان، قائلين بانهم توقعوا أن يكون خطابه خطاب تصالح وسلام، خاصة وأنه عاش ويلات هذه الحرب وكان محاصراً زهاء الـ5 أشهر. ووصف مراقب (البرهان) بالتبلد وانعدام الحس الإنساني بعدم إحساسه بمعاناة الشعب السوداني بترجيحه لخيار الحرب وتمزيق البلاد بدلاً من خيار الوحدة والسلام، قائلاً بأن البرهان أتته الفرصة مرة أخرى ليوحد السودان والسودانيين، ولكنه ولأنه عميل و(بليد) ، بدلاً من ان يصبح قائداً لكل السودانيين اختار ان يكون قائداً لـ (البلابسة)!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى